حِكمَة الملك وغباء رئيس الحكومة
منذ بداية انتشار فيروس كورونا في منطقة ووهان بالصين، غالبية الدول، وخاصة الأوربية، تعاملت مع الوضع باستخفاف كما لو أن الأمر يهمّ الصين وحدها ولن ينتقل منها الوباء نحو بقية دول العالم . هذا الاستخفاف بخطورة الوباء عبر عنه مسؤولو الحكومات مما أثر على الرأي العام وجعل المواطنين يسخرون من الوباء ويتسلون بالتنكيت عنه.
والمغرب لم يشذ عن هذا الاستخفاف في بداية الانتشار وحتى عند ظهور الأزمة حيث صدرت تصريحات عن رئيس الحكومة عن جهل تام بطبيعة الوباء ودرجة خطورته على حياة المواطنين والدورة الإنتاجية للمقاولات . فرئيس الحكومة سمح لنفسه أن ينشر معلومات زائفة عن الوباء شجعت المواطنين، ليس فقط على الاستخفاف بمخاطر الوباء، بل أيضا على الاستهتار بالتدابير الوقائية والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة ودعت كل أفراد المجتمع إلى الالتزام بها.
وهذا تصريح السيد رئيس الحكومة لوسائل الإعلام الذي كان أحد العوامل الرئيسية لتشكيك المواطنين في خطورة الوباء: (أطمئن المواطنات والمواطنين أن الإصابة بهذا الفيروس ليس خطيرا راه ما تيشكلكش أي خطر هو بحال أي زكام يمضي يدّار له واحد شوي ديال العلاجات ديالو والصبر).
تصريح ينم عن الجهل والغباء ويحرض المواطنين على عدم أخذ التدابير الاحترازية مأخذ الجد والحزم. ومن الأخطاء الجسيمة التي اتخذها رئيس الحكومة المسؤول عن تدبير الشأن العام:
1/ ترك الحدود والمجال الجوي مفتوحين أمام مغاربة المهجر والسياح الأجانب دون اتخاذ التدابير الوقائية، بل شجعهم على العودة إلى المغرب في عز تفشي الوباء؛ إذ كان من المفروض وضع الوافدين جميعهم تحت الحجر الصحي على النحو الذي وُضع فيه الطلبة المغاربة الذين تم ترحيلهم من ووهان الصينية فيما بعد، وكذا منع السياح من الدخول إلى المغرب.
2/ تأخره في تجهيز المستشفيات لاستقبال الحالات المصابة بالفيروس مع وضع خطط دقيقة لتوسيع الطاقة الاستيعابية للمستشفيات حتى تتمكن من مواجهة الأعداد المتزايدة من المصابين. وبسبب هذا التأخر ازداد الضغط على الأطقم الصحية وتدنت الخدمات في بعض المستشفيات حسب فيديوهات نشرها مصابون بالفيروس.
3/ تأخره في اقتناء التجهيزات والمعدات الطبية الضرورية وتوزيعها على المستشفيات بربوع المملكة لتخفيف الضغط على المراكز الاستشفائية وتأهيل المستشفيات بالأقاليم والجهات، وكان من نتائجه ارتفاع نسبة الوفيات في صفوف المصابين بالوباء مقارنة مع عدد من الدول (0.35 % في دول مجلس التعاون الخليجي، 1.6 % في الولايات المتحدة الأمريكية).
4/ ترؤسه لقاء تواصليا بمدينة العيون بالأقاليم الصحراوية رغم قرار الحكومة بمنع التجمعات، إذ كان من المفروض في رئيس الحكومة أن يلتزم بتنفيذ القرار الذي اتخذته حكومته، لكنه اختار أن يعطي المثال السلبي لبقية المواطنين.
5/ أخطر قرار اتخذه رئيس الحكومة هو حرمان الموظفين من حقهم في الترقية وإلغاء مباريات التوظيف.
فمنذ بداية ظهور وباء كورونا، أظهر رئيس الحكومة فشله في الإعداد المادي لمواجهة الأزمة المادية والاجتماعية والصحية.
6/ اكتفاء رئيس الحكومة برفع الدعاء لرفع الوباء في تدوينة جاء فيها (في هذا الصباح المشرق أسأل الله أن يرفع عنا وعنكم جميع أنواع البلاء والوباء ومنها كورونا وأن يعيذنا وإياكم من سائر الأسقام، وأن يكفينا وإياكم شر القضاء، وأن يرفع عن بلدنا وأمتنا والبشرية جمعاء الغمة التي تعيشها). المواطنون، يا رئيس الحكومة، لا ينتظرون منك الدعاء بقدر ما ينتظرون منك الإجراءات العملية التي تطمئنهم على حياتهم ومعاشهم.
أكيد إن تُركت الأمور لتدبير رئيس الحكومة بهذا الجهل والغباء، حتما كانت ستحصل الكارثة، لا قدر الله، على كل المستويات. واستباقا للكارثة والمأساة، جاءت القرارات الملكية بردا وسلاما على الشعب لتعيد تصحيح الأوضاع بأن جندت الدولة بكل مؤسساتها لخدمة المواطنين بعد أن جعلهم بنكيران وخلفه العثماني في خدمة الدولة حين صادر الحقوق والمكتسبات الاجتماعية (التوظيف، التقاعد، الترقيات، صندوق المقاصة..) بحجة توفير الموارد المالية للدولة. وها هي جائحة كورونا تكشف أن الملايير المقتطعة من صندوق المقاصة لم توجه إلى تجويد الخدمات الاجتماعية وخاصة في مجال الصحة العمومية. ففي الوقت الذي كان فيه رئيس الحكومة يستهين بخطر فيروس كورونا ولا يميز بينه وبين الأنفلونزا العادية، كان جلالة الملك يسابق الزمن بسلسلة قرارات جريئة أثنت عليها الدول الأوربية وأبانت عن نجاعتها في الحد من انتشار الوباء الذي لا قدر الله لو انتشر في ظل ضعف البنيات التحتية والتجهيزات الطبية الضرورية لحصلت الكارثة.
لأجل هذا، جاء قرار إغلاق المدارس والمساجد والمقاهي والمؤسسات الإنتاجية للحد من تفشي الجائحة، ثم تلاه قرار إحداث الصندوق الخاص لتدبير ومواجهة وباء فيروس كورونا الذي أنقذ الحكومة من الإفلاس ووفر لها الموارد المالية اللازمة لاقتناء التجهيزات الطبية ودعم العمال والأجراء المتضررين من الأزمة. لقد أنقذت الحكمة الملكية الشعب المغربي من غباء وجهل رئيس الحكومة.