حي على الإعمار…!
حزموا حقائبهم على وجه السرعة ملبين نداء ضميرهم الإنساني بكل حماس تحذوهم الرغبة ليعيشوا أجواء الملحمة المغربية..
سعيد الكحل
في سباق مع الزمن، وتنفيذا لأوامر وتوجيهات جلالة الملك الذي ترأس اجتماع عمل خصص لتفعيل البرنامج الاستعجالي لإعادة إيواء المتضررين والتكفل بالفئات الأكثر تضررا من زلزال الحوز، يدخل المغرب مرحلة تنفيذ مخطط إعادة بناء المنازل التي تهدمت، والتي يبلغ عددها 50 ألف مسكن، وترميم التي تضررت. في هذا الإطار صدرت عن الاجتماع جملة من القرارات المستعجلة، ويأتي في مقدمتها:
1 – تقديم منحة مالية قدرها 30 ألف درهم كمساعدة أولية لكل أسرة متضررة.
2 ـ تعبئة كافة الوسائل الضرورية لإعادة التأهيل والبناء في المناطق المتضررة من الزلزال.
3 ـ إيواء المتضررين والتكفل باليتامى والفئات الأكثر تضررا من الزلزال.
4 – تقديم مساعدة مالية مباشرة بقيمة 140 ألف درهم للمساكن التي انهارت بشكل تام، و80 ألف درهم لتغطية أشغال إعادة تأهيل المساكن التي انهارت جزئيا.
5 ـ إحصاء الأطفال اليتامى الذين فقدوا أسرهم بسبب الزلزال والتكفل بهم بمنحهم صفة مكفولي الأمة.
6 – اعتماد مسطرة المصادقة على مشروع القانون اللازم للتكفل باليتامى، وذلك في أقرب الآجال. قرارات جد مهمة تتوج ملحمة التضامن الوطني التي لا تعادلها إلا ملحمة المسيرة الخضراء لتحرير الأقاليم الصحراوية؛ إذ بنفس الحماس الجامح ونفس الروح الوطنية الوهاجة تعبّأت كل فئات المجتمع المغربي من مختلف الأعمار، لجمع وإيصال المساعدات والتبرعات العينية والمادية إلى السكان المتضررين من الزلزال.
ملحمة التضامن ومسيرة الإعمار
إن الروح الوطنية الصادقة التي عبر عنها المغاربة وهم ينتظمون في طوابير للتبرع بالدم بكل حماس وتلقائية، أو يسارعون إلى اقتناء المواد الغذائية والأغطية وحملها إلى نقاط التجميع التي يحددونها بمبادرات ذاتية من جمعيات أو متطوعين في مشاهد أسطورية أبهرت العالم الذي لم يألف نظيرها في كثير من المناطق التي شهدت كوارث طبيعية، جعلت المغاربة يصنعون، بكل تلقائية، ملحمتهم الوطنية الرائعة.
فملحمة التضامن هذه تجسد القيم الاجتماعية والدينية المتجذرة في وجدان الشعب المغربي على مر التاريخ، وهي التي تشكل مقومات اللحمة الوطنية وعناصر قوتها لمواجهة الخطوب والكوارث الطبيعية، وكذا سرّ صمودها ومقاومتها لكل محاولات التآمر الخارجية ضد وحدة الشعب والوطن.
بهذا الرصيد الوجداني والثقافي والقيمي والوطني تصدى المغاربة لمؤامرات زعزعة استقرار المغرب وأفشلوا كل مخططات الأعداء للنيل من قوة التلاحم بين العرش والشعب.
ولعل هذا التلاحم هو سر منعة المغاربة ضد كل الإيديولوجيات التي استهدفت اللحمة الوطنية وسعت، يائسة، إلى إفساد الوجدان الشعبي فحافظ على أصالته ومكّن المغاربة من تجاوز الهزّات التي أسقطت أنظمة سياسية أو تلك التي ألقت بشعوب نحو المجهول. فكل الشعارات الإيديولوجية أفلست أمام هذا الرصيد الوجداني والثقافي الذي يميز المغاربة ويقوي لحمتهم.
ملحمة التضامن المبهرة هذه، جعلت مشاهدها تتصدر التقارير والأخبار في القنوات الإعلامية الدولية، حتى إن كثيرا من السياح قرروا تمديد إجازاتهم بالمغرب والانخراط، بكل حماس وطواعية، في الملحمة؛ فيما مواطنون أجانب (مثل ريتشارد برانسون، ملياردير بريطاني تبلغ ثروته 2,8 مليار دولار) حزموا حقائبهم على وجه السرعة ملبين نداء ضميرهم الإنساني بكل حماس تحذوهم الرغبة ليعيشوا أجواء الملحمة المغربية التي فجرها التضامن الوطني الواسع ومشاهد أولئك الذين قال فيهم الله تعالى (ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) وهم يحملون ما توفر لديهم من زيت أو دقيق أو أواني منزلية ليتبرعوا بها لفائدة المنكوبين رغم حاجتهم إليها.
وهي مشاهد ملهِمة تبعث على الافتخار والاعتزاز بالانتماء إلى هذا الشعب الأبي وهذا الوطن العزيز. بعد ملحمة التضامن أعطى جلالته الانطلاقة الفعلية لملحمة إعادة إعمار ما تهدم من مساكن وترميم ما تضرر منها بفعل قوة الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز، والتي تعادل قوة 25 قنبلة نووية حسب وصف عبد الطرزي، عالم الزلازل والكوارث الطبيعية المغربي. إذ لا شيء يستحيل على المغاربة، فكما أعمروا الأقاليم الصحراوية المسترجعة وجعلوا منها حواضر تنعم بالرخاء والطمأنينة، وقبلها أعادوا بناء مدينة أغادير التي دمرها الزلزال، سيهبّون إلى إعادة بناء المساكن والمؤسسات التي دمرها الزلزال. وهي مناسبة أمام الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الإنسانية للانضمام إلى هذا المجهود الوطني.
إن ما يدعو إلى الاعتزاز بتمغربيت هو قرار جلالة الملك بالتكفل بالأطفال الذين فقدوا معيليهم في الزلزال ومنحهم صفة “مكفولي الأمة” حماية لهم من الضياع أو الاستغلال، وتجسيدا لقيمة التكافل بكل معانيها وأبعادها والتي تجعل الوطن فعلا أمّا تحضن أبناءها المكفولين بكل ما يستحقونه من عناية ورعاية. هذا هو المغرب، بملكه وشعبه ومؤسساته، يصنع التاريخ ويجسد الملاحم ويواجه الشدائد بكل عزيمة قوية وإرادة لا تلين، فيحول آلامه إلى لحظات انتصار وتضامن مشرقة وكأنها ولادة متجددة بنفس القيم والثقافة والشهامة التي تجذرت فيها عبر التاريخ.