مدارات

حين تضع الحكومة التافهين “المؤثرين” فوق الخبراء…!

ولما تضع الحكومة التافهين “المؤثرين” فوق خبراء الاقتصاد وعلوم السوق والمقاولة، وفوق المثقفين والباحثين الجامعيين والسياسيين، إذن فلنترحم على كفاءاتنا ونخبنا وعلى مستقبلنا إذا لم نتدارك الأمر قبل العاصفة ؟؟؟

فقد ثم. أفشال التعليم وإفراغه من محتواه وإبعاده عن أهدافه، وتم إفقار الأحزاب الوطنية، وتهميش المفكرين والمثقفين والعلماء والحكماء الاوفياء للوطن وتم تفكيك الطبقة الوسطى مما أدى إلى تدهور الأمن القيمي.

سادت موجة تعميم اليأس وقتل الأمل في كل إصلاح وتغيير حقيقي، بتنصيب التافهين الفاشلين أبطالا، علما أنهم لن يقدموا شيئا لهذا الوطن بل وجدوها مثلما يقول التعبير المغربي الدارج “باردة_مسكية.”

وسقطت الدولة والمجتمع معا في أول امتحان الانتقال إلى الميتافيرس ومواكبة تطور الذكاء الاصطناعي لجعله يخدم التموقع الجديد للدولة كقوة اقليمية صاعدة في حاجة إلى قاعدة جماهيرية في مستوى الانتظارات والموعد مع التاريخ بخلق نخب جديدة وإطارات ورجال الدولة ذو كفاءة وخبرة في تدبير الشأن العام وتجويد التفكير المستقبلي الاستراتيجي.

لم نكن مهيئين، واعتبرنا الأمر مجرد مزحة وطرفة لما أضحى التأثير على مواقع التواصل الاجتماعي، حقيقة زائفة الغاية منها إلهاء الأميين، وسمحنا لبعض المعتوهين من البسطاء بأنهم يدعوا بل يسوقوا بأنهم “قدوة” وفي واقع الأمر، لا ترقى إنتاجاتهم إلى مستوى معايير الإبداع جودة المحتوى والأهداف الإيجابية التي تصب في بناء الإنسان وتأهليه وإدماجه، بل أصبحنا أمام تسويق بضاعة فاسدة متنافسة طمعا في مراكمة أموال الإشهار.

في غياب هيئة عليا ساهرة على تحصين الأمن المعرفي وصون الأمن القيمي، راصدة للمحتويات ومتصدية للتي لها تأثير خطير على نفسية وسلوك الجمهور، مقوضة للخلق والابداع والابتكار ناسفة للتفكير العقلاني والمنطقي.

والخطير هو أن الحكومة، عوض أن تفكر في إنشاء مرصد وطني وخلية تفكير لإيجاد سبل مؤطرة للقضاء، دون المساس بالحق في التعبير والحق في التفكير، أصبحت تلعب بالنار، وتجعل من الفاشلين قدوة لأولادنا وشبابنا.

في حين، إن الدول المتقدمة لها مفهوم آخر للمؤثرين متكون من فسيفساء مشاهير التمثيل والموضة والغناء وأغلبهم مثقفون ولهم ثقافة حقوقية  مواطنة عالمية، من الذين تتابعهم الجماهير، ويتأثرون بهم والعمل على إشراكهم في الصناعة الثقافية والمبادرات والديناميات التي تدخل في إطار السياسات العمومية وعقد شراكات بدفاتر تحملات من أجل تجويد بعث رسائل سياسية وثقافية واجتماعية وبيئية ولإعمال الخطط الوطنية في مجال حماية حقوق الانسان والبيئة  والانخراط في  الملاحم الداعمة للسلم  والتضامن بين الشعوب وجعل بعضهم ممن له مؤهلات وكاريزما سفراء للنوايا الحسنة والسلام،  وأغلب المؤثرون  مثقفون وحاصلون على شواهد عليا في مختلف التخصصات ، بل ان فئة منهم  خبراء في توجيه وصناعة الرأي العام.

عكس الكموج والأميين الذين بيننا من المستعملين لتطبيق “سناب شات”، أو اليوتوب أو الانستغرام، بعض الأشخاص لا ثقافة لهم ولا علم بطريقة صناعة المحتوى الرقمي وطبيعته، عبر نشر التفاهة والمس بأعراض الآخرين، راكموا ثروات كبيرة، ومنهم من اشتغل بغسيل الأموال خاصة في غياب رقابة  صارمة من لدن القضاء الذي من المفروض أن يفتح تحقيقات وإصدار أحكام تجاه هؤلاء المؤثرين النصابين، الذين  يتبعون طرقا احتيالية للكذب على الجمهور عبر نشر التفاهات وتعميم الجهل، وتحويل متابعيهم إلى مدمنين، وجعل الآخرين مستلبين كارهين للحياة بسبب مشاهد الثراء التي يصورها “المطرطرون” الجدد، والتي فيها الكثير من التمثيل والاحتيال على المتابعين، بحيث إنهم لا ينشرون مآسيهم وأحزانهم، كما أنهم يوهمون الناس بأنهم أكثر سعادة وثقافة وهم في الحقيقة، لا يملكون شجاعة للعمل والابتكار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock