كرونيك

حياة الناس وكرامتهم ليست لعبة

في زمن بعيد، كنت من عشاق لعبة مونوبولي الشهيرة.

رغم صغر الرقعة، بساطة الوسائل تستطيع هذه اللعبة أن تخلق عالما من الأحلام يرتفع فوق الواقع دون أن يختلف عليه.

تستطيع لعبة مونوبولي أن تنقل الناس من الفقر إلى الغنى، كما تستطيع أيضا أن تجعل مشاركا من المفلسين الخاسرين، وقد ترسله للسجن إذا ما تمادي في اختياراته السيئة.

يتحكم في لعبة مونوبولي نردان صغيران يسقطان عشوائيا من يد اللاعب كي يقررا معا الوجهة والمصير.

في اللعبة، كما في الحياة.

بطائق حظ كثيرة.

بطائق حظ مونوبولي أسهل للفهم: تخبرك البطاقة انك فزت بمبلغ مال محترم، وكفى.

بطائق حظ الحياة مختلفة تماما.

أن تولد في حضن عائلة تملك المال و الجاه.

أن تصاهر نافذا في السلطة، يملك مفاتيح المناصب العليا وفرص الاغتناء السريع.

أن تصبح نجم غناء شعبي برأس مال لا يتعدى كلمات مُتَهَتِّكة وسوقية، وصوت يحاكي نهيق الحمير وجمهور عريض من فاقدي الذوق السليم.

أن تفوز بمقعد في البرلمان رغم أنك لم تدخل أبدا مدرسة ولا تفهم لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في أي شيء.

اللائحة طويلة في أجمل بلد في العالم.

لاعب مونوبولي الماهر يربح عندما يمتلك الفنادق في ارقى احياء البلد، ويضيف إلى ثروته المنازل المنتشرة في أنحاء المدينة.

من شروط الفوز ان يفلس الآخرون ويتخلون عن ممتلكاتهم ومدخراتهم.

هكذا هي مونوبولي.

منذ الاستقلال، تتكرر أسماء بعينها في السياسة والاقتصاد والتدبير.

في كل مرة تطل على باقي الخلق وقد بدلت الموقع، وقصة الشعر والحزب والوظيفة.

إنها بطائق الحظ التي تخفي سرا غريبا لم يتمكن أحد من فك شفراته.

لعبة المونوبولي أو بنك الحظ أو لُعْبَةُ الاحْتِكَارِ هي أكثر ألعاب الألواح مبيعاً في العالم. تقوم فكرة اللعبة على تنافس اللاعبين لمحاولة جمع ثروة عن طريق بيع وشراء العقارات وتأجيرها أثناء تحرك اللاعبين على اللوحة حسب نتيجة رمي النرد.

كلمة مونوبولي باللغة العربية تعني الاحتكار وهو المبدأ الاقتصادي الذي يسيطر فيه بائع ما على سلعة معينة.

نعم، الاحتكار هو السر.

صممت لعبة مونوبولي البريطانية إليزابيث ماجي تشارلز دارو، وتم نشرها سنة 1935.

غادر إخوان بنكيران كراسي الوزارات ودواوينها بعد أن انتهت عشرية الإسلاميين، لحسن الحظ لم يفلس أي منهم، وربما تمكن معظمهم من ضمان حياة  أفضل من سابق عهدهم بالحكومة وسياراتها و منازلها و تعويضاتها السخية.

اللعبة حظوظ.

يبدأ اللعب دائما من خانة الانطلاق، وأسوء حركة يمكن أن تسقط على رأس اللاعب هي ان يكون مضطرا للعودة لنفس الخانة في كل مرة.

لم تكمل الحكومة بعد المئة يوم الأولى، لا زالت في خانة الانطلاق.

ينتظر الشعب أن تتغير الأمور نحو الأفضل لجميع طبقاته بلا احتكار وبلا تكرار لما سبق.

حياة الناس وكرامتهم ليست لعبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock