حول ما يروج حول “علاج” فعال للتوحد
عثمان أوبريك
مازال يدور في وسط مجتمعنا المغربي خاصة والعالم عموما، فكرة حول ما يسمى ب”علاج” للتوحد الذين يعتبروه مرضا، هذا نوع من العبث والخلل من التفكير ينتج عن أحادية التفكير حول اعتبار نوعية النمائية العصبية النموذجية وحدها نوعية النمو النفسي والعقلي السليم للانسان دون النوعيات الاخرى التي يعتبرونها أمراض أو اعاقات ذهنية، ينسبون دور هذا “العلاج” للمراكز التي تهتم بمجال التوحد أو الأدوية أو احيانا تصل الدرجة الى دور المشعوذة اين ممكن الحاق الأذى خصوصا الأطفال منهم أو وضعهم بمستشفيات الأمراض العقلية الذي يعتبر احد أشكال الميز والاقصاء لتلك الفئة، وكل هذا بسبب الأفكار المغلوطة حول التوحد وانعدام التربية على ثقافة التنوع في المجال النمائي العصبي.
لهذا أود وضع النقط على السطر للكشف عن ماهية هذا العبث:
أولا، التوحد ليس مرضا وليس إعاقة ذهنية بل نوعية نمائية عصبية التي تعتبر نواة لشخصية طابع مختلف عقليا ونفسيا وفكريا وسلوكيا، ناتج عن اضطراب في النمو النمائي العصبي يؤثر على الدماغ وسيرورة تفاعله مع المجتمع والواقع مغايرة تماما عن المعتاد ،مع الاختلاف في ألية التواصل عنده عن العامة من الناس ، أي ان الانسان التوحدي ولد باختلافاته وتمظهراته يعيش بها وتشكل الجزء الرئيسي من شخصيته وليس تشوها من الناحية العقلية التي ينتقص منها الغالبية العظمى من المجتمع عنها.
ثانيا في التنوع النمائي العصبي للانسان Neurodiversity يعرف أشكال وأنواع وطرق مختلفة من التمظهرات المتعلقة بالتعبير والتواصل، المعالجة المعرفية والاجتماعية، التصريف العاطفي والمشاعري ثم السلوك، على مستوى التعدد والتنوع البشري من الناحية النورولوجية أي النمائية العصبية، باعتبارها بنية أساسية ذو طابع مختلف في نمو شخصية الانسان أي لا يمكن اعطاء الحكم على أنه مرض نفسي أو اضطراب عقلي.
اي من خلال ماذكرنا أن مسألة التوحد كون تمظهره هو اختلاف في حد ذاته من الناحية النمو العصبي، وفي طريقة اختيار نمط الحياة التي يريدها الانسان التوحدي وطريقة تفكيره، اذن الأصل في المشكلة المفتعلة حوله وعن مسألة “العلاج” منه هو في الحقيقة ليس غير بريئة في حد ذاتها فقط بل أيضا تعبير بشكل مباشر عن رفض المجتمع تقبل هذا الاختلاف كما هو ظاهر فيه، فالمراد منه هو تنميط والغاء خصوصياتهم وطريقة تعبيرهم التي تختلف جذريا عن باقية العامة من الناس لغرض جعلهم على الصورة السيرورة التي يريدها المجتمع ذو التوجه الأحادي فرضها عليهم كمثل شكل الأغلبية ذوي التنوع النمائي العصبي النموذجي Neurotypics الذين نعتبرهم أشخاصا “عاديين”، رغم ان احتكارهم لهذا مفهوم هو السبب الرئيسي لتعرض للاقصاء والتهميش ضد الفئات الأخرى منهم ذوي التوحد خاصة، ان نظرا وفق لعلوم الأخلاق والنفس، مفهوم العادة هو مفهوم عام مرتبط ويشمل السلوك الذي يشكله، من جوانب التفكير، الرغبة، الشعور التي تم اكتسابها من تجارب اجتماعية وانسانية، مما جعل هذا المفهوم له سياق كوني لا يتعلق بفئة معينة دون أخرى كما هو متداول.
فهنا نظرتين مرفوضتين لتناول موضوع التوحد تكون مبنية على مصطلحين قدحيين هما “معوق” و”حماقة” وهما :
نظرة الشفقة أي اعتبارهم هؤلاء الأشخاص “مثيري للشفقة” وغير “قادرين” على التمتع بكامل حقوقهم وممارسة واجباتهم على أتم وجه, مما يعني التنقيص من شخصيتهم وكينونتهم وقدراتهم العقلية والفكرية والنفسية والاجتماعية ، لهذا يوضعون ضمن خانة ” الاشخاص في وضعية الإعاقة” أي غير قادرين على تدبير شؤون حياتهم الطبيعية بكل حرية، وهذه النظرة مرفوضة لأن بكل بساطة هؤلاء الأشخاص ذوي التوحد ليسوا مواضيع للاحسان أو المعاونة بل أشخاص لهم خصوصياتهم في طريقة تفكير وتدبير شؤون حياتهم لكن في ظل غياب لتربية على التدبير الثقافي والاجتماعي للأشخاص ذوي التنوعات النمائية العصبية.
نظرة الرفض التي تتجلى بصريح العبارة التهميش والاقصاء ضد فئة ذوي التوحد بحكم ان تمظهراتهم السلوكية والتعبيرية والتواصلية والفكرية تختلف عن طبيعة أحادية المجتمع الذي يفرض قواعده دون غيره من باقي التنوعات الأخرى عامة، بسبب عاملان أساسيان هما ظواهر عدم تقبل المختلف كما هو ،واعتبار الاختلاف كونه تهديد لسيرورة ونظام العام بحكم منطق “الأغلبية والأقلية” ، وهذا بطبيعة الحال غير مقنع لأن كون الانسان عموما مختلفا ليس بالضرورة تهديدا أو ضد أمن واستقرار المجتمع، فيجب بدلا عن ذلك تعديل منظور تعامله مع باقي التنوعات الأخرى وتبني منظومة للتعايش والتسامح لنزع الحواجز بين البشر في اطار التنوع لأن هذا هي الطبيعة نفسها كمفهوم شامل ليس حكرا على فئة دون أخرى، وهذا ما يخلق توازنا على مستوى الاحتكام القيم والمبادئ الأخلاقية والانسانية، بدل من جعل الأخر المختلف “مريضا” أو “عبئا” على المجتمع الذي هو بالمناسبة هو شكل من أشكال التمييز وهو بالضبط مرفوض.
ولبعض يربط “علاج” التوحد بالعلاج ضد الأمراض العقلية وأخر بربطها بالتداريب التي يخضعون لها بمراكز المهتمة بمجال التوحد وهناك من يتحدث عن “العلاج بالأدوية” ، أولا التوحد كما ذكرنا هو ليس مرضا نفسيا أو اضطرابات عقلية لكي تعالج بل اختلاف على مستوى شخصية انسانية لها طابعها الخاص، اذ لا يمكن الحديث عن اي علاج لها، فتردد فذه الفئات الى مختلف الاخصائيين سواء النفسيين أو في النطق هو انهم هم لديهم الأهلية لتشخيص لحالات التوحد عندهم.
ثانيا المراكز اين يخضع الأشخاص ذوي التوحد منهم الأطفال والشباب خصوصا تدريبات في النطق والترويض النفسي الحركي، اكتشاف الياتهم الخاصة في التواصل والتفاعل الاجتماعي وكيفية استخدامها وسط المجتمع، اعتماد على نظام ABA التحليل السلوكي التطبيقي Analytical behavior analyst اي باختصار هي ان تلك المراكز هي منابع لاكتشاف الذات بالنسبة لتلك الفئة لا علاقة لها بأي علاج والتخلص من المعيقات والسلوكيات المؤدية نتيجة عدم ملائمة المناخ الاجتماعي وعدم ادخالهم ضمن القواعد المتفقة أخلاقيا وأدبيًا وعرفيا المبنية على أساس التعاقد الاجتماعي.
ثالثا، من أسخف تلك المغالطة هي مسألة “العلاج” بالأدوية لأن التوحد هو شخصية ذو كينونة خاصة وليس مرض يعالج بدواء معين، فتلك الأدوية هي تستعمل كمخفف على التأثيرات السلبية التي يمر بها الأشخاص ذوي التوحد منها الاكتئاب، القلق، نوبات الغضب، السلوكات العنيفة، التي تكون نتيجة آثار الضعط وآثار مواقف عدم التقبل والتهميش الناتج عن الاحتكاك بالبيئة الاجتماعية التي لا تتلاءم مع طبيعة وخصوصيات هذا الطيف من أصله، رغم ان العلاج ضد تلك الأمراض هي نفسية وعقلية وشعورية وعاطفية ليست الأدوية التي أصلا تمثل الجزء المهدئ فقط.
فتلك النظرية المتهافتة حول “علاج” التوحد هي مبنية على اساس النظر الى التوحد والتعامل كحالة مرضية وحالة “خاصة” و “شاذة” عن الحالة التي تعتبر زورا “طبيعية” بحكم منطق الأغلبية والأقلية المبنية على عدم احترام مبدأ التعددية والاختلاف في المجال النمائي العصبي وتكريس لمنطق الوصاية وحكم الفئة الغالبة ، وليس في حقيقته كاختلاف من ناحية الكينونة الانسانية.
اذن التوحد ليس له دواء ولا علاج، بل ما يتم علاجه هو ما يؤثر سلبا على الأشخاص ذوي التوحد نتيجة استبعادهم من مبدأ التعاقد الاجتماعي، مما يؤدي الى عدم إدراج خصوصياتهم ضمن القواعد الاساسية التي تؤطر المجتمع، وهذا يرجع الي عدم وجود تربية أسرية واجتماعية على ثقافة التعدد النمائي العصبي، واعتبارهم “معتوهين” و”عبئ” على المجتمعات البشرية الذي يؤدي الي تعرضهم الى الاقصاء والتهميش والتعامل معهم على أنهم دون “عقل” ودون “وعي” لا سيما التنمر، مما ينتج عنها الى المس بالصحة النفسية لهؤلاء الاشخاص منها زيادة القلق والاكتئاب.
فخلاصا للانتهاء من هذا التهافت والعته حول منظور “علاج” للتوحد واي نوعية نمائية عصبية أخرى يجب الإعتماد على مقاربة شاملة للتربية حول التوعية بثقافة التنوع النمائي العصبي Neurodiversity منها التوحد Autism، لنصبح في مناخ وجو حقيقي للتعايش والتسامح بين البشر من جميع نواحي الاختلاف المنية على مختلف أشكال التنوع الانساني منها التنوع النمائي العصبي.
وللحديث بقية