حول التعريف بقضية التوحد وسياقها بالمغرب
التوحد ليس بمرض أو اعاقة، بل يندرج ضمن اشكال التنوع النمائي العصبي اي بصريح العبارة هو منذ ولادته يحمل هذا الطيف الذي يأخذ بالإنسان التوحدي منحنى لمنهجيات التفكير، التعبير، الممارسة، السلوك عندهم مخالفة عن بقية الناس...
عثمان أوبريك
كثيرا ما نسمع وسط المجتمع عن اشخاص “مصابين” بطيف التوحد، الذي يعتبرونهم بمثابة “مرضى نفسيين” ، وآخرون يعتبروهم بمثابة “معاقين” ذهنيا، لهذا في الكثير من الأحيان يبدون “غريبين” جدا أو “غير طبيعيين” أو “خارجين” من هذا العالم من نظرهم ،لما يروه منهم من سلوكيات “غير مألوفة” يعتبروها “غير لائقة” أو “غير مقبولة”، أو من طريقة فهمهم وتفكيرهم التي يعتبرونها “لا مكان لها” بين ما يعتبرون نفسهم “عاديين طبيعيين”، مما يؤدي بهم الى الكثير من الصدامات والمشاكل التي طالما تعرضت لها هذه الفئة من المجتمع منها الاقصاء، التهميش وحتى التمييز ضدهم، خصوصًا الى مستوى نزع أدميتهم ونعتهم ب”الحمق”.
لكن دعونا نعرف أولا عن ماهية هذا الاختلاف ذو الطابع الانساني “الغريب”، فالتوحد هو اضطراب نمائي عصبي يؤثر على النمو الطبيعي لدماغ الانسان الحامل لهذا الطيف من مرحلة الطفولة، يتصفون بعدة اختلافات من الناحية السلوكية والتواصلية والتعبيرية مما يجعل طريقة تفاعلهم في المجتمع مختلفة عن العامة من الناس نظرا لما يحمله هذا الطيف من :
اضطرابات حسية اي ما يجعل الأشخاص التوحديين حساسين جدا اتجاه البيئة التي يعيشون فيها خصوصا ان طريقة تفاعلهم معها مغايير عن باقي الناس.
اضطرابات في التواصل والتفاعل الاجتماعي اي ان الأشخاص ذوي التوحد يجدون صعوبة في التواصل مع الأخرين والتفاعل معهم بشكل نظرا لاختلاف آليات التواصل عند التوحديين عن غيرهم من العامة عموما وعدم قدرتهم على فهم مشاعر وتصورات الاخرين عموما وتطلعاتهم.
فينقسم الى ثلاث درجات وهي:
طيف التوحد الخفيف الذي يظهر فيه صماته بشكل خفيف اي يغيب عنه التأخر على المستوى التعبيري اللفظي اي ما يتجلى في ورود التعبير اللفظي بطلاقة انطباق صفات التوحد فيه من ناحية التواصل والتفاعل الاجتماعي والاضطرابات الحسية.
طيف التوحد المتوسط الذي يظهر فيه صماته بشكل متفاوت اي من ناحية التواصل والتفاعل الاجتماعي منها صعوبة واضحة من ناحية التعبير اللفظي لدرجة الاقتصار على عبارات بسيطة للتكييف مع المناخ الاجتماعي ذو الطبيعة المعقدة.
وطيف التوحد الشديد الذي يظهر فيه صماته سواء من ناحية التواصل والتفاعل الاجتماعي والاضطرابات الحسية بشكل جدري وكامل.
اي التوحد ليس بمرض أو اعاقة، بل يندرج ضمن اشكال التنوع النمائي العصبي اي بصريح العبارة هو منذ ولادته يحمل هذا الطيف الذي يأخذ بالإنسان التوحدي منحنى لمنهجيات التفكير، التعبير، الممارسة، السلوك عندهم مخالفة عن بقية الناس، وهنا نرجع الى ما قاله المفكر التوحدي الفرنسي جوزيف شوفانيك Josef Schovanec “التوحد هي ثقافة مختلفة”، وكما قالت المناضلة التوحدية ريم الدرازي “ولدت بالتوحد وسأعيش بالتوحد” اي ما يمكن ان نقول ان التوحد هو تعبير عن شخصية انسانية مختلفة التمظهر والتفاعل وانسانية الجوهر كغيرهم من البشر لهم مشاعر، أفكار، طموحات، أحلام، تصورات، اي ما يجعل التوحد منظور عيش الحياة بطولها وعرضها بطريقة مختلفة ومغايرة.
في مجتمعاتنا المعاصرة، اين تكثر ظاهرة التنميط والاقصاء ضد تلك الفئة نظرا للقواعد الاجتماعية التي من المفترض ان تكون مبنية على تعاقد بين جميع الاطراف وسط المجتمع، ولكنها تهمشهم ولا تراعي خصوصياتهم السماتية والانسانية، مما يتسبب ذلك في عزلتهم عن العالم الخارجي، مما يشكل ظلما صريحا لهم.
ومن هنا تظهر قضية التوحد كتعبير بصوتهم عن المطالبة بحقوقهم الأساسية منها الحياة الكريمة ، التعليم، الصحة، الشغل ورفع الإقصاء والتهميش والتضييق الاجتماعي ضدهم، مع ضرورة تقبلهم لكامل اختلافاتهم ومراعاتها سواء في جانبي الانتباه والادماج في اطار مبدأي التسامح والمواطنة، فيتطلب أول التقبل بأن هناك أشخاص يختلفون عنا من ناحية النمو العصبي وطريقة تفاعله كما في تواصله وسط المجتمع، وتفهم انطلاقا من الانتقال من مرحلة الوعي الى التقبل المؤدي الى الادماج، مما يتطلب تغييرا وثورة اجتماعية على مستوى التفكير الاجتماعي المرتبط التعليم والشغل خاصة وبالبيئة والقانون عامة، اي بيئة محتضنة لجل فئات بشموليتها كما الأشخاص ذوي التنوعات العصبية منها التوحديين، مع انهم اشخاص لهم مؤهلات وقدرات مختلفة وجانب التصور مختلف عن باقي
البشر، ذو طبيعة شفافة تتطلب الوضوح والفعالية والانتباه
في حالة المغرب مثلا، مازلنا نواجه عدة تحديات خصوصا من جانب رفع الوعي بخصوص هذا الطيف ثم تقبله لا من ناحية الاعلام والتعليم مما يجعل الجمعيات المختصة تقوم بالترافع ، التخلص من استعمال لمصطلحات “مصاب بطيف التوحد” أو “مرضى التوحد” مما يقلل من انسانيتهم ويسقط من أدميتهم مع الاستعمال بدلا عنها “الأشخاص التوحديين” أو “الأشخاص ذوي التوحد”، والطامة الكبرى بمدونة الأسرة يتم ادراجهم بصفة “المعتوه” خصوصا المادة 216 مما يحرمهم من الأهلية القانونية والتوقيع على أوراق رسمية وحتى الاستمتاع بالحق في الشغل والأجر، اي بحياة مستقلة كباقي النا. مع ادراج اشكالية تكييف المناهج الدراسية بشتى المستويات التعليمية اي التعليم الأولي، التعليم الابتدائي، التعليم الاعدادي ، والثانوي ثم التعليم العالي علما ان بيداغوجية التدريس لا تراعي هي كذلك خصوصيات هذا الطيف خصوصا فما يتعلق باختلاف طريقة تلقي واستيعاب المعلومات مما ينجم عن الكثير من الصدامات بين التلاميذ والطلبة ذوي التوحد من جهة وجهة الأساتذة والادارة التعليمية، وهذا جعلنا نتحدث عن “التربية الدامجة” اي التربية المبنية على مراعاة خصوصياتهم الدهنية والنفسية، كما ان في التعليم العالي طامة كبرى مما ليس وجود بعد اي اجراءات متعلقة بالتكييف على مستوى الجامعي والأكاديمي بالمغرب، واشكاليات اخرى مرتبطة بالشارع، الفضاء العام والى اخره، مما نتج عنه ظهور ما نعرفه ب”تحالف الجمعيات العاملة في مجال اعاقة التوحد بالمغرب” سنة 2006 على يد أولياء الامور الأشخاص ذوي التوحد منهم الراحلة سمية العمراني التي ترأسته الى حد وفاتها سنة 2021، فيقوم بالترافع حول حقوق تلك الفئة من المجتمع، عن طريق المتابعة والمواكبة، لا سيما بعمليات ان يقوموا الأشخاص ذوي التوحد بالتعريف عن قضيتهم مما تعرف ب”المناصرة الذاتية” اي يناصرون انفسهم ويدافعون عن حقوقهم في جميع مناحي الحياة، وما زلنا في المشور لحين التقبل الطبيعي لهم كجزء لا يتجزأ من المجتمع المغربي خاصة والعالم عامة.
فخلاصة القول ان قضية التوحد هي قضية شاملة تهم فئات المجتمعات البشرية عامة اي بأشخاص لهم اختلافات جدرية من ناحية اليات التفاعل الاجتماعي والتواصل والسلوك، مما يشكل ثقافة مغايرة عن غيرهم اي نوعية جديدة في التنوع البشري، ليس مرضًا نفسيا أو اضطراب عقليا أو حتى إعاقة كما يتم الترويج لها، بل نوعية من التنوعات النمائية العصبية كما يقال Neurodiversity باعتبارها نواة لشخصية انسانية ذو طابع مختلف ذو تفكير مختلف، وهنا ندخل في المجال التنوع البشري من الناحية النمائية العصبية والنفسية.