حكومة البيجيدي ودعوة الـ”يونيسف” لحماية الطفولة
وجهت منظمة “يونيسف” دعوة مباشرة إلى الحكومة المغربية على إثر جريمتي اغتصاب وقتل الطفل عدنان، من أجل التعجيل بإصدار التشريعات اللازمة لحماية الطفولة من كل أشكال العنف والاستغلال.
ومعلوم أن مشروع القانون الجنائي الذي أعده وزير العدل والحريات حينها مصطفى الرميد والقيادي في حزب العدالة والتنمية، لقي ويلقى معارضة من داخل الحكومة وعموم هيآت المجتمع المدني ، لكونه مشروعا يخدم استراتيجية الأسلمة التي ينهجها البيجيدي، والتي لا ترمي إلى إقرار الحقوق والحريات وحمايتها، بل تمثل تراجعا خطيرا على مستوى الجاري به العمل من تشريعات وطنية. فإذا كان القانون الجنائي المغربي، المطلوب تغييره، يعتبر قتل الزوج لزوجته، تحت أي ظرف كان، جريمة قائمة الأركان كباقي جرائم القتل، فإن مشروع البيجيدي ينفي عنها طابع الجريمة ويلحقها بردود الأفعال المرتبطة بالدفاع عن “الشرف”.
فباسم “الشرف” والدفاع عنه، يفتح البيجيدي باب جهنم على المجتمع المغربي ونسائه. والخطير في المشروع أن البيجيدي أعطى الحق لكل أقارب النساء والفتيات بانتزاع أرواحهن باسم “الشرف”. إن مثل هذا المشروع سيزيد جرائم القتل انتشارا وتعقيدا لكونه يخفض عقوبتها (= “جرائم الشرف”) من أقصاها (الإعدام، المؤبد ) إلى أدناها (أقل من خمس سنوات، بضعة شهور موقوفة التنفيذ). فأيما زوج عجز عن فك رابط الزوجية قضائيا جاء مشروع القانون الجنائي يمكّنه من مخرج قليل التكاليف وكثير الفوائد. إذ في الوقت الذي يتطلع فيه المغرب إلى منظومة جنائية تحاصر العنف وتصون الحقوق وترقى بالمجتمع، يصر البيجيدي على الإجهاز على الحقوق والمكتسبات وكذا الآمال في الأفضل. فكرامة الإناث غير ذات قيمة وأهمية في المشروع السياسي والمجتمعي للتيار الإسلامي، وضمنه حزب العدالة والتنمية. لهذا لا يمكن للمجتمع المغربي أن ينتظر تغييرا جوهريا في المنظومة الجنائية خلال رئاسة البيجيدي للحكومة.
ذلك أن الأسس العقدية والإيديولوجية للحزب لا تسمح له بالانفتاح على منظومة حقوق الإنسان في بعدها الكوني. فالحزب الذي لا يؤمن بالمساواة في الحقوق السياسية والمدنية بين الذكور والإناث، بل ناهضها على مدى عقود، لا يمكنه الاجتهاد فيما يخالف عقائده الإيديولوجية. فقد خاض الحزب معاركه الشرسة ضد ولاية المرأة على نفسها في الزواج، أي ظل ولا يزال وفيا لعقائده التي تحكم على المرأة بالقصور الفكري وحاجتها إلى الذكر لتوجيهها والوصاية عليها. ومهما بلغت المرأة من العلم والمعرفة ، ستبقى “قاصرا” في حكم العقيدة الإيديولوجية للحزب، لا يستقيم سلوكها أو اختيارها إلى بوجود “ولي” ذكر يرشدها ويوجهها. لهذا لا فائدة من تمكين المرأة من فرص العلم والترقي ما دامت الولاية في الأسرة والمجتمع للذكور، وفقا لنفس العقائد الإيديولوجية التي تجعل شعارها “لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة”. نفس العقائد تجعل الأنثى “مِلْك يمين” بيد الذكور لا تملك حريتها ولا قراراها ولا جسدها . لهذا ناهض البيجيدي جعل الطلاق بيد القضاء حتى لا تملك الزوجة حق اللجوء إلى القضاء لإنهاء رابطة الزواج ، بينما يملك الزوج حق الطلاق ولو في غياب الزوجة.
لا فرق، إذن، بين مِلك اليمين وبين الزوجة المحرومة من حق إنهاء رابطة الزواج. كلتاهما مملوكتان بعقد. بنفس الخلفية التشييئية للأنثى ناهض البيجيدي رفع سن الزواج إلى 18 سنة حيث ثم الإبقاء على زواج القاصر كاستثناء في مدونة الأسرة سرعان ما صار قاعدة (33 ألف حالة زواج في سنة واحدة). زواج القاصرات، بالنسبة للبيجيدي، أمر شرعه الدين ولا يمكن إلغاؤه بنظام مدني.
ومادام الأمر كذلك ، فعقيدة الحزب لا تسمح له بأن يرى فيه اعتداء على الطفولة وانتهاكا لجسد الطفلات القاصرات. فالأنثى لا تملك جسدها مثلما تملك قرارها، بل هي وفق نفس العقيدة، مِلك بيد وليها . ومادام الأمر كذلك، فإن تزويج القاصرات ليس عنفا ولا يمكن للحزب أن يرى فيه اغتصابا. وكيف يراه اغتصابا وهو يناهض رفع سن الزواج ويصر على شرعنة زواج القاصرات؟ كان ممكنا، بالنسبة للمغرب، أن يقطع مع زواج القاصرات سنة 2004 بصدور مدونة الأسرة، لولا ضغوط البيجيدي ومنطق التوافقات الذي يفرض التدرج في سن القوانين. فليس غريبا، إذن، أن يأتي مشروع القانون الجنائي خلو من نصوص تجرّم زواج القاصرات، وكذلك قانون العنف ضد النساء 103.13 الذي ماطل البيجيدي في إخراجه رغم علاته ونواقصه.
واضح، إذن، أن الخلفية الإيديولوجية لرئاسة الحكومة لن تسمح لها للتحرك بالسرعة المطلوبة للتجاوب مع دعوة منظمة “يونيسف” إلى التعجيل بإصدار تشريعات قانونية تحمي الأطفال من العنف؛ كما لن تشكل جرائم الاغتصاب والقتل الفظيعة التي لا يكاد يمر يوم دون أن يهتز ضمير ووجدان المجتمع من صدماتها، عامل ضغط لترى تلك التشريعات النور.
فجريمة اغتصاب وقتل الطفل عدنان سبقتها وتزامنت معها جرائم اغتصاب وقتل أطفال، بينما الحكومة منشغلة بتفريخ مجالس الريع وتبذير المال العام في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن جائحة كورونا.
ستبقى دعوة “يونيسف” صيحة في واد بعد أن صارت مكونات الحكومة منشغلة بالتحضير للانتخابات.