سياسية

ذكرى 20 فبراير بدون تركتها

تحل الذكرى 11 لحركة “20 فبراير”، لأول مرة في ظل حكومة لم ترتبط مكوناتها، من قريب أو من بعيد، بالحراك. فحركة 20 فبراير مهّدت للبيجيديين الفوز بالانتخابات وقيادة الحكومة لولايتين متتاليتين، كما مكّنتهم من الضغط على الدولة وابتزازها في منعطفات تاريخية مهمة (تعديل الدستور، قانون الإجهاض، مشروع القانون الجنائي..) كان من المفروض أن تحقق الانتقال الديمقراطي وترقى بترتيب المغرب في مؤشر الديمقراطية (احتل المغرب سنة 2020 المركز الـ 96 من بين 167 دولة)، ومن ثم تجعله يغادر فئة “الأنظمة الهجينة” التي يصنفه فيها تقرير مؤسسة التحليل والأبحاث البريطانية “ذا إيكونوميست إنتلجنس”. ذلك أن افتقار حكومتي البيجيدي إلى الكفاءات وكذا ارتهانهما إلى استراتيجية الأسلمة التي ينهجها الحزب ضيّعا على المغرب عدة نقط، خاصة في مجالي الحريات المدنية والأداء الحكومي. فالحزب ناهض دسترة حرية الاعتقاد مستغلا حركة 20 فبراير، كما ظل يناهض الحريات الفردية مثلما ناهض حقوق النساء والأطفال ولا يزال متمسكا بتزويج القاصرات وتجريم العلاقات الرضائية والإفطار العلني في رمضان، وإلحاق الأبناء خارج إطار الزواج بالآباء البيولوجيين. أما في مجال الحكامة، فإن قرار “عفا الله عما سلف” الذي اتخذه رئيس الحكومة حينها، بنكيران، يعد جريمة كبرى في حق الشعب والوطن والمال العام، وهو الذي خاض الحملة الانتخابية بشعار محاربة الفساد.

حركة 20 فبراير: غياب تصور واضح لمسار التغيير

إن حركة 20 فبراير، كغيرها من الحركات السياسية/الاجتماعية التي اجتاحت عددا من الدول العربية لم يكن لديها تصور واضح لمسار التغيير ومآلاته؛ الأمر الذي أفقدها المبادرة والاتفاق بين مكوناتها على خوض معركة الانتخابات، سواء بتقديم شخصيات تحظى باحترام أغلبيتها أو بدعم حزب سياسي يتقاسم مع الحركة أهم مطالبها. والأمر لا ينطبق فقط على المغرب، بل يسري على كل الدول التي عرفت الحراك السياسي/الاجتماعي والذي انتهى إلى إسقاط الأنظمة الحاكمة في كثير منها. لكل هذه الأسباب ولغيرها، فشلت حركة 20 فبراير كما فشل الحراك الاجتماعي في باقي الدول العربية في إقناع الشعوب بالحفاظ على المكتسبات السياسية والحقوقية والسعي إلى توسيعها بدعم الأحزاب الوطنية والديمقراطية التي تؤمن بالدولة المدنية ومنظومة حقوق الإنسان.

ذلك أن الأحزاب السياسية التي كانت فاعلة في الحقل السياسي داخل الدول التي شهدت الحراك لم تكن بالسوء الذي جعل مكونات الحراك تتقاعس عن دعم مرشحيها أو الانخراط فيها. ففي كل دول الحراك فازت تنظيمات الإسلام السياسي بالانتخابات، سواء الرئاسية (حالة مصر) أو التشريعية (تونس، المغرب)؛ علما أن هذه التنظيمات تحمل مشروعا مجتمعيا وسياسيا نقيضا لما طالب به الحراك، وضمنه حركة 20 فبراير. ذلك أن أحزاب الإسلام السياسي لا تؤمن بالديمقراطية كما هي متعارف عليها عالميا ولا بالمساواة بين المواطنين على اختلاف الأديان والأعراق والجنس.

وقبل هذا وذاك فهي تطالب بتطبيق أحكام الشريعة وإلغاء القوانين المدنية وجعل الشريعة المصدر الأسمى للتشريع؛ ومتى كانت لها السلطة والغلبة فإنها ستلغي الدساتير والقوانين لتعيد الشعوب إلى غابر الحقب التاريخية حيث ساد الاستبداد الديني/السياسي في أبشع صوره. وليس غريبا على هذه الأحزاب أن تبتهج لسيطرة طالبان بقوة السلاح على أفغانستان وتبارك لها خطوات تطبيق الشريعة وإلغاء الدستور دون أن تعتبر فعلتها هذه جريمة سياسية وانقلابا على الشرعية الانتخابية.

حركة 20 فبراير ساعدت تنظيمات الإسلام السياسي للوصول إلى السلطة

هكذا هيأت حركة 20 فبراير في المغرب مثلها مثل مكونات الحراك في الدول العربية الظروف والفرص لتنظيمات الإسلام السياسي للوصول إلى السلطة، وهي التي يخلو سجلها من أية تضحيات في سبيل الحرية والديمقراطية والكرامة والمساواة. وصلت هذه التنظيمات إلى السلطة، ليس لأنها ناضلت من أجل الديمقراطية، بل لكونها استغلت الحرب الشرسة التي شنتها مكونات الحراك السياسي/الاجتماعي ضد الأحزاب الوطنية والديمقراطية؛ مما أضعف هذه الأخيرة ونفّر الناخبين منها مقابل استمالتهم لفائدة الإسلاميين (المغرب، مصر، تونس).

لقد مرت عشر سنوات على قيادة البيجيدي للحكومة في المغرب راكم خلالها الشعب مزيدا من المعاناة والمظالم الاجتماعية بعد أن كان يتطلع إلى الارتقاء بأوضاعه المادية والاجتماعية وتوسيع مجال الحريات والحقوق. وما يعانيه الشعب المغربي اليوم من ارتفاع نسب بطالة وغلاء الأسعار وتردي الوضع المعيشي لغالبية المواطنين وتدني مستوى الخدمات الاجتماعية، إنما تعود مسؤوليته إلى سلسة القرارات المجحفة التي اتخذها حزب العدالة والتنمية على رأس الحكومة (تحرير أسعار المحروقات، تجميد الزيادات في الأجور، تجميد الترقيات، إفساد نظام التقاعد، العفو عن ناهبي ومهربي المال العام..).

إذا كان من فضل لحركة 20 فبراير، فإنها كشفت للشعب المغربي، كما كشف الحراك الاجتماعي في الدول العربية، عن حقيقة الإسلاميين الذين ظلوا يتدثرون بخطاب ديني يُوهم الشعب بصلاحهم وصدقهم واستقامتهم. فكانت هذه المدة التي قضاها الإسلاميون على رأس الحكومة كافية لينفض الشعب عنه الأوهام التي صدّقها، وليزيل تلك الغشاوة التي حالت دون إدراك مخاطر المشروع المجتمعي لهذه التنظيمات الإسلامية.

البيجيدي: تناقض بين الخطاب والممارسة وفضائح أخلاقية ومالية وإدارية

هكذا وقف الشعب على التناقض بين الخطاب والممارسة لدى البيجيدي بعد سلسلة من الفضائح الأخلاقية والمالية والإدارية، فضلا عن تعطيل الدستور والالتفاف على بنوده خدمة لاستراتيجية الأسلمة التي ينهجها الحزب. وما تعانيه ما بات يعرف “بدول الربيع العربي” من فوضى واقتتال وانهيار المؤسسات الدستورية (العراق، سوريا، اليمن، ليبيا، تونس)، زاد من وعي الشعب المغربي، من جهة، بمخاطر “الفوضى الخلاقة” التي تصدى لها في مهدها، ومن جهة ثانية، قوّى تمسكه بالدولة المغربية ومؤسساتها الدستورية وانخراطه في تقويتها ضمانا للأمن والاستقرار. هذا الوعي جعل الشعب المغربي يتفرّد بأسلوبه الديمقراطي في إزاحة الإسلاميين من رئاسة الحكومة ومن تسيير المجالس الترابية التي فشلوا في تدبير شؤونها.

تحتفل، إذن، حركة 20 فبراير بذكراها الحادية عشرة ويحتفل الشعب المغربي بتصفية تركتها.