يمتلك كل واحد منا حديقة خاصة.
حين تسوء أحواله أو تضيق به الدنيا، يلتجئ إليها لينعم بهدوئها ويجد بين أحضانها الطمأنينة والمواساة المفقودان.
هذه الرياض أبوابها مشرعة أمام كل فرد، بلا عقد ولا قرض ولا إيجار.
ما عليه سوى مغادرة مسكنه الضيق وولوج حديقته الفسيحة.
تروي الحكاية، أنه حين اشتد الجوع والقهر على سكان باريس إبان الثورة، نصحتهم ماري أنطوانيت من علياء شرفة قصرها الفخم، بتناول الكعك إذا نفذ الخبز.
طبعا، انتهت هي ونصيحتها وبقية اهل دارها تحت المقصلة. أما قصرها بكامل جنانه الغناء، فصار متاحا لكل من شاء النزهة أو السياحة.
لا شك أن معظم من يعيش في شقة أو بيت بدون مساحة خضراء أو زرقاء سيهز كتفيه متهكما.
حديقتك تشبه كعك المرحومة ماري أنطوانيت.
عليك أن تتحسس عنقك قبل أن تكتب عن جنان وهمية.
قطعا، حدث سوء فهم.
أنا لست من سكان قصر فيرساي الشهير ولا أي قصر آخر.
لا صلة قرابة تجمعني بأصحاب الدم الأزرق.
أقصد الحديقة الخلفية المجازية.
وفي المجاز، كل الصور ممكنة. فبعضنا أسود بشجاعتهم أو ثعالب في مكرهم. وأخريات ظباء في جمالهن. وأغلبنا تشابه عليه البقر، فاحتار بين الكعك والقصر والحديقة.
الحديقة الخلفية كتاب تعشقه بشدة. تضعه بجانب رأسك حين تنام، كشاهد قبر مؤقت يمجد أفعالك اليومية البسيطة والنافعة.
حين يقسو عليك العالم دون سبب، تفتح كتابك وتقفل نوافذ الألم إلى حين.
تفكك سر الكلمات بحثا عن حكمة مخبأة بعناية بين السطور، مثل قطع حلوى أخفتها أمك بحب وحنان، كي تجدها بسهولة ساعة جوع أو ضجر.
حين تفرض عليك متطلبات العيش أن تهادن رئيس عمل يفتقد مفاتيح القيادة السليمة وحس التواصل الإنساني؛ فينشر ريش جهله أمام لاعقي الأحذية المنبطحين دوما، حلق كبلبل يبحث عن زهرة فواحة في حديقته السرية، ليغرد لها دون غيرها.
الحديقة الخلفية قد تكون ورقة بيضاء وقلما جافا. أزهارها أبيات شعر رقيقة أو خواطر صادقة.
قد تكون أيضا ألوانا وفرشاة أو ريشة… أو حتى أغنية جميلة تدندها سرا في غفلة من نقابة الفنانين.
هو عالم مواز تلجه وحيدا، كعاشق يتربص ساعة خلوة بمحبوبته بعد غروب الشمس.
عالم طوباوي يظهر ويختفي على مر السنين.
بين مشاغل اليومي والتزامات يفرضها العالم الحقيقي فرضا، يحدث أن تذبل ورود الحديقة الخلفية وتغزو الأعشاب الضارة والحشرات جنباتها.
في النهاية، قد تفقد مفتاح الحديقة بعد طول إهمال.
تبحث عن راحة الروح بالمعابد أو الحانات. تظن أن غنيمة عملك أو تجارتك، ستشتري لك قطعة سعادة وتذكرة عودة للفرح الطفولي.
تدفع وتدفع دون جدوى.
عليك أن تعود من رحلتك الطويلة نحو مرفئك السري.
أن تدع مرساتك تغوص بثبات.
أن تنزل شراعك وتنكس علم الحرب الذي ظل يرفرف دون توقف.
لن أنصحك بتناول الكعك، ابحث فقط على مفتاح حديقتك الخلفية.
لأنه حان الوقت للحظة سلام داخلي.
افتح حديقتك وازرعها أملا وابتهاجا.
