ثقافة و فن

حديث الصورة الكاريكاتيرية في مائدة إفطار السيميائيات البصرية

حين ينتفض الجمود والهدوء، ويُحدِث السكون ضجيجا وضوضاء، وتثور العين لتنطق بدل اللسان، مُعلنة بذلك تشكيل عالم يتخطى عصر ثقافة الأذن والاستماع، إلى عصر ثقافة العين والابداع، تجعل من الصورة البصرية لغة تواصلية اتصالية لا تقل أهمية عن فعل الكلام، تنقل الأفكار والمعاني والدلالات ثم الإيحاءات والاستعارات.

في ظل هذا الوضع نجد الفنان “الشعوبي العوني” يبدع في بلورة ونَسج لوحاته الكاريكاتيرية الساخرة، باعتبارها صور بصرية تعد من أبرز أصناف الصور الثابتة في نقل المعاني من جهة، والتعبير عن مختلف القضايا التي تقلق بال المواطن المغربي من جهة ثانية، بقلم ساخر يستهويه التهكم، وتجذبه الاستعارية، لتسحرالكاريكاتير برمزيتها، وتُبهرالقارئ بدلالاتها، لتصب في صميم مخيلة المتلقي الثقافية عبر رمزيتها.

لذلك فالمواطن بحاجة إلى ثقافة سيميائية ولو في مستواها البسيط، لفك شفرات السنن الدلالي لكاريكاتير “الشعوبي العوني” الساخر، فالسيميائيات البصرية لها القدرة المعرفية والفلسفية والفينومينولوجية…، على استنطاق كل ما تنتجه الذات الإنسانية، من منطلق تعبير شارل ساندرس بورس بأن “العلامة هي شيء يحل مكان شيء آخر”، فالعالم الذي نعيشه هو عالم رمزي تتوارى خلفه حاجات وتطلعات وتعقد على ضوئه آمال، فرسوماته الكاريكاتورية في الفترة الأخيرة مليئة بمجموعة من العلامات الأيقونية الدلالية التي على الفرد أن يتتبع سيرورتها التدليلية، على اعتبار أن عصرنا الحالي هو عصر الصورة بامتياز، وفق المثل الصيني المشهور:” الصورة تعادل ألف كلمة”، لذلك نجد أن الرسومات الكاريكاتورية للفنان الشعوبي تزاوج بين البعد الفني الجمالي الإبداعي تارة، وعلى البعد الاستعاري الإيحائي الرمزي تارة أخرى، بحيث تختلف سياقيا وتلتقي إيحائيا في دلالتها على وضعية اجتماعية واقتصادية يعيشها المواطن المغربي في الآونة الأخيرة والتي تتجلى في غلاء أسعار المواد الاستهلاكية خصوصا في شهر الرحمة والغفران، وبناء على ذلك، نجد أن أغلب الرسومات الكاريكاتورية للفنان الشعوبي تعبر عن هذه المعضلة السوسيوــ اقتصادية من خلال مزاوجتها بين البعد اللساني اللغوي من جهة عبر توظيف شخصية الجيلالي، والبصري الأيقوني من جهة ثانية، عبر توظيف شخصيات بسيطة اجتماعيا، معبرة فنيا وتدليليا عن حال المواطن المغربي وتضمره من خلال نظراته المحملقة في الارتفاع المهول للأسعار، عبر بروز عيون الشخصيات الأيقونية في استغراب ودهشة وصدمة نفسية تائهة، تتقاطع على ضوئها تعابير الوجه القاتمة في لحظة صراخ ونحيب ونَدْبٍ وآآآهاة على الوضع المأساوي، وبما أن الأيقونة تربطها علاقة مماثلة ومشابهة مع الموضوع في العالم الخارجي، نجد الكاريكاتور يختزل معاناة “جيلاليات” الأسر المغربية في صورة تحمل طاقة انفعالية جبارة نطل من خلالها على واقع العائلات المغربية البسيطة في قالب ساخر، يتعدى المعنى الحرفي، إلى معاني رمزية تستلهم ضحالة الوضع المادي للمواطن المغربي اجتماعيا ونفسيا.

وبالتالي، فأغلب الرسومات الكاريكاتورية للفنان الشعوبي غزيرة بِكَوْنٍ من الدلالات الإيحائية الرمزية في قالب فني إبداعي، على اعتبار أن الكاريكاتير الساخر هو فن الفكرة في طرح القضايا الراهنة، بغرض نقدها أو تصحيحها بصورة ساخرة، ليحط الرحال عند المتلقي لمساءلته واستنطاقه بناءً على مقاساته الثقافية وموسوعته الإدراكية وذخيرته التأويلية.

ــــــــــــــــــــــــــ

* باحث في السيميائيات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock