مدارات

حتى لا يطير الدخان

جرت قبل أيام الانتخابات، التشريعية والجهوية والجماعية، بالمملكة المغربية، حرسها الله، وقد فاز بها حزب “التجمع الوطني للأحرار”، وخسر فيها حزب “العدالة والتنمية” خسارة كبيرة، وقد توقع الجميع خسارته، لكن لم يتوقع أحد هذا السقوط الحر، وعلى العموم وعلى كل حال، فإنه لا يهمنا الآن التطرق للأسباب التي أدت إلى فوز الأول وخسارة الثاني، ولما لهذا حملنا القلم واخذنا في إنشاء هذه المقالة، وإنما حملنا القلم نقصد به غرضا آخر، وهو الوعود الانتخابية العريضة والعديدة، التي وعد بها حزب التجمع الوطني للأحرار المغاربة، في حملته الانتخابية، والتي على أساسها كسب الحزب هذه المعركة الانتخابية.

فيما يروى عن جحا، أنه راهن يوما أمام الملك، على أن يأتي الملك بحمار يقرأ ويكتب، وحين خرج من عند الملك، و شاع بين الناس خبر مضمون الرهان، قال له بعضهم: قد أهلكت نفسك وظلمتها بتسرعك واعتديت عليها وأسأت إليها بفعلك، فكيف تراهن أمام الملك بهذا الرهان، وأنت على يقين تام أنك خاسره لا محالة، فهذا الرهان لا يراهن عليه عاقل، فقال لهم جحا: إني اشترطت لهذا شرطا، فقالوا: وماذا اشترطت؟؟، فقال: اشترطت عشر سنوات لتعليم الحمار الكتابة و القراءة، و بعد عشر سنوات، فإما يموت جحا أو يموت الملك أو يموت الحمار، وهكذا يسقط الرهان.

ونحن تعودنا من أحزابنا، على اختلاف توجهاتها ومشاربها ومعتقدات أصحابها، أنه كلما ولي أحد منهم رئاسة الحكومة، إلا وإحتج على عدم وفائه بوعوده الانتخابية، بأن العلة  إخلاف وعده سببها مخلفات الحكومات السابقة لحكومته، وهكذا تضيع آمال العباد، وتتفرق في بلاد آيادي سبأ، وهذه الحجة هي في أصلها واهنة وضعيفة، وذلك أن كل حزب يترشح ويقدم برنامجه الانتخابي، وهو عالم بمخلفات الحكومات السابقة، وعلى هذا فإن الضرورة تستلزم أن تكون وعوده وبرامجه، وفق مخلفات سابقيه، وفي الحدود التي يقدر على الوفاء بها، وكل حزب يلجأ إلى هذا التبرير، فكأنه يشترط شرط الجحا، وذلك بأن يبقى على رئاسة الحكومة لسنوات طوال، حتى يتمكن من تصفية مخلفات الماضي لأجل الوفاء بوعوده، وهذا يستحيل ديمقراطيا، أو يتم الاعتراف بأن النظام الديمقراطي نظام فاشل، وهذا الذي أومن به وأعتقده، وهو دليل من الأدلة كثيرة على فشل ما يسمونه بالديمقراطية.

ومادام حزب ” التجمع الوطني للأحرار” حزبا يؤمن بالديمقراطية ويدعو إليها ويسير وفق مقتضياتها، فأرجوا ألا يجعل من نفسه الصيغة الجديد ل”جحا” وحماره، وأن يفي بوعوده، حتى لا يحدث معه ما حدث مع سلفه، فيسقط سقوطا حرا، فكما يقول المغاربة في أمثالهم” مابعيدة غير تادلة أما سبع حمير واجدة”، وعقاب المغاربة لمن يخلفهم وعده يعرفه الجميع، وقد أظهروه يوم الاقتراع، فهم إنما وهبوا أصواتهم لشيء واحد، وهو تجربة هذا الحزب، حتى إذا فشل و أخلف وعده ولم يف به، حرموه منها بعد خمس سنوات، ومنحوها لحزب آخر لم يأخذ فرصته بعد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

كاتب مغربي, باحث في العقائد والمدارس الفكرية والاستشراق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock