حتى لا نسيء من حيث كنا نريد أن نحسن صنعا…!
نفتخر بغيرة مواطنينا ودفاعهم القضية الوطنية وعن ثوابت الأمة المغربية. لكن، الواجب يقتضي التنبيه إلى أن الغيرة الوطنية تتجسد بروعة أكبر، حين تستند إلى كلام العقل والحكمة في الرأي، والمعرفة بالمعطيات الحقيقية، والالتزام بالموضوعية والتحليل المنطقي.
في هذا الصدد، أثار انتباهي ما جرى يوم أمس، في مواقع التواصل الاجتماعي، من ضجة بشأن الخريطة التي استعملت كرمز تواصلي (Logo) في مؤتمر “مبادرة السعودية الخضراء ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر”، أغضب وضعها على حائط داخل قاعة الاجتماعات بحضور رؤساء الدول والحكومات المشاركة، مواطنينا الذين اعتبروا أن الخريطة “اقتطعت” الصحراء المغربية عن باقي تراب المملكة المغربية الشريفة.
ويبدو لي أن هنالك توضيحات تستحق أن نقف عندها بهدوء، بعيدا عن السجال الذي يخرج الأمور عن سياقها. مبدئيا كل الإخوة والأخوات الذين عبروا عن غيرتهم على بلادهم، مشكورين على يقظتهم وانتباههم، لكنهم مدعوين، أيضا، للتركيز مع حيثيات هامة في الموضوع، يمكن إيجازها كالتالي:
– أولا، نحن نتحدث عن لقاء دولي، هو مؤتمر “مبادرة السعودية الخضراء و مبادرة الشرق الأوسط الأخضر”، وبالغة الإنجليزية (Middle East Green Initiative Summit). وهو، ليس لقاء عربيا كان من الممكن تسميته “مبادرة العالم العربي الأخضر.” وبالتالي، دول منطقة الشرق الأوسط، ومحورها المملكة العربية السعودية صاحبة المبادرة، هم المعنيون بمشروع المبادرة وبإشعاعها. أما حضور المغرب فمرغوب فيه، كما جرت العادة دائما في مثل تلك المناسبات الدولية، بالنظر إلى العلاقات الأخوية القوية التي تجمع بين جلالة الملك وبين خادم الحرمين الشريفين وأمراء دول الخليج، وبالنظر إلى المكانة الخاصة التي تحضي بها بلادنا لدى قيادة المملكة العربية السعودية. كما أن التجربة المغربية في مجال التحول الطاقي، ينظر إليها بتقدير كبير بعد نجاح بلادنا في تطوير قدراتها في مجال الطاقات البديلة، من خلال مشاريع عملاقة كمحطات الطاقة الشمسية والطاقة الريحية.
– ثانيا، إذا أخذنا خريطة العالم العربي و قارننها مع الخريطة التي وضعت في “الرمز التواصلي” للمؤتمر، سنجد أنها لا تضم أجزاء كثيرة من دول العالم العربي، سواء المملكة المغربية بصحرائها، و موريطانيا، ودجيبوتي، والصومال، وسوريا، و لبنان، وحتى جزءا صغيرا من شمال العراق. وبالتالي، لا مجال لنظن أنه تم اقتطاع الصحراء المغربية من الخريطة.
ومن جهة أخرى، تلك “الخريطة/الرمز التواصلي” موضوع الجدل، ليست من الأصل خريطة بالمعنى الحرفي، جغرافيا وسياسيا، بقدر ما هي رسم جرافيك (Graphisme) مستوحى من الخريطة الأصلية، تم إخضاعه لتحويل فني (artistique et esthétique)، تلجأ إليه كثيرا وكالات التواصل.
وعلى هذا الأساس لم أر أن الخريطة، بما هي رمز تواصلي، تحتمل أية قراءة تمس بتراب وطننا المجيد، وفي القلب منه صحراءنا المغربية.
– ثالثا، قد شاركت في المؤتمر، شخصيات عالمية من خارج الشرق الأوسط، منها الوزير الأول الباكستاني عمران خان، و السيد جون كيري، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي للبيئة، و مسؤولين آخرين من دول آسيوية. ولم نر في الخريطة التي وضعت في قاعة الاجتماع، وفي خلفية الصورة الجماعية الرسمية لرؤساء الوفود المشاركة، لا خريطة باكستان ولا الولايات المتحدة الأمريكية ولا الدول الآسيوية المشاركة. فهل سمع أحد أنم تم الاحتجاج من طرف رواد الفيسبوك من باكستان والولايات المتحدة الأمريكية، ضد “اقتطاع” دولهم من خريطة الرمز التواصلي الذي اعتمده المؤتمر؟ وهل احتجت شعوب موريتانيا، وجيبوتي، والصومال، وسوريا، ولبنان، والعراق لنفس السبب؟
– رابعا، أتعجب كيف تصور البعض إمكانية وجود احتمال، و لو بنسبة 0,1 %، أن ينقلب الموقف الثابت و المبدئي و التاريخي للمملكة العربية السعودية الذي يدعم المملكة المغربية في كل قضاياها ، و يتم اعتماد خريطة تقصي جزءا من تراب بلادنا ؟ هل ننسينا أننا، فقط قبل أيام قليلة، كتبنا بافتخار عن الموقف الرسمي الذي عبرت عنه المملكة العربية السعودية على لسان سفيرها بالأمم المتحدة، لتأكيد الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة المغربية ضد كل تآمر أو مس بسلامتها؟ هل بدأنا نفقد ذاكرة الأحداث والمواقف المهمة، أم ماذا؟
بمعزل عن الملاحظات أعلاه، علينا أن نستوعب أن مثل تلك المؤتمرات الدولية ذات الصبغة الاقتصادية، ما يجب أن نهتم له هو الدفاع عن مصالح اقتصادنا الوطني، عبر التفاوض بمهنية واحترافية من أجل إبرام شراكات دولية قوية، وجلب استثمارات دولية بملايين الدولارات، حتى نحدث مناصب شغل جديدة لشبابنا، مهندسينا وتقنينا.
وبطبيعة الحال، لا شيء يمنع من اليقظة لرصد أي تجاوز حقيقي فيه إساءة مقصودة، إن وجدت، والوقوف ضده بحزم وشدة، لأن سيادتنا الوطنية خط أحمر لا تهاون بشأنه ولا تردد.
لذلك، أعتقد أنه على قدر أهمية الدفاع عن قضايانا يجب أن نهتم بضبط خطابنا التواصلي في الموضوع، وتقوية معرفتنا بمعطيات التاريخ والجغرافيا في ارتباط بقضيتنا الوطنية، وتعميق ضبطنا لقواعد القانون الدولي بتفاصيله كي نجعله في خدمة قضايانا، ونركز على الأولويات الحقيقية من خلال وضع كل شيء في سياقه الحقيقي، واحترام منهجية الفعل الترافعي التي لا مكان فيها للانفعالات أو الآراء الانطباعية والحماسية.
إذا التزمنا بمثل تلك السلوكات، أكيد لن يجرفنا تيار المعلومات غير الصحيحة، وسنتفادى الإساءة غير المقصودة لجوهر قضايانا الوطنية، أو لعلاقتنا مع أشقائنا وشركائنا الاستراتيجيين، من حيث كنا نعتقد أننا، بحماسنا الصادق وغيرتنا التلقائية، نحسن الصنع.
مودتي…