كرونيك

جاذبية نيوتن ودبخشية الازمي..

لم يكن نيوتن يتوقع أن يتلقى تفاحة على رأسه. فربما كان غارقا في حلم يقظة لذيذ ومدغدغ.

غيرت تلك التفاحة المتهورة علم الفيزياء، حيث انتبه نيوتن إلى الجاذبية وقوانينها، بعد أن استفاق مكرها من حلمه الجميل، وانخرط في إنتاج نظرية غيرت العالم.

أما التفاحة فلم تتردد في اعتبار ما وقع عاديا ولا يدعو إلى الاهتمام.

فمن ينام تحت شجرة أغصانها مثقلة بالتفاح، لا بد أن يتوقع انفلات ثمرة أو ثمرتين وسقوطهما على الأرض أو فوق رأسه.

وللتفاح مهارة خاصة في خلق أحداث تغير مجرى التاريخ، بل أحيانا مصير الإنسانية جمعاء.

لعل قضمة واحدة من تفاحة أهدتها حواء لسيدنا آدم كانت كفيلة بإنهاء امتياز العيش بالجنة، بلا حساب ولا عقاب وبطمأنينة تامة.

هي تفاحة أخرى وجدت نفسها مرغمة في قلب حدث أوصل البشر إلى حياة الدنيا ومشاكل الدنيا.

عودة إلى النظريات الكبرى وظروف إنتاجها:

تستحق نظرية حديثة أن يفرد لها الباحثون في السياسة وفي علم الاجتماع مدخلا بحثيا خاصة. إنها نظرية الدبخشية، نسبة إلى الدبخشي.

أنا واحد من الذين كانوا يجهلون جهلا تاما حتى وجود كلمة الدبخشي في القاموس.

أدركت، بعد إنصات صوفي إلى قائد فذ في البيجيدي، مدى انتشار النظرية وقوة حضورها في عالم التدبير والسياسة.

تقتضي الدبخشية أن تتحول حركة دعوية، كانت تهتم بشؤون الدين والدار الآخرة إلى حزب سياسي، بعد اأن ينخرط أصحابها، بلحاهم وجلابيبهم ورائحة مسكهم القوية، داخل حزب الحركة الشعبية الدستورية المنقرض، في اتفاق وتناغم مع الدولة “العميقة”. بعد أن يتمكن الجمع السعيد من “تنظيف” البيت الجديد من أصحابه، يتغير اسمه مع أولى نسمات الربيع ويصبح حزب العدالة والتنمية، إسوة بحزب إخواني كبير بتركيا البعيدة.

وأقصد هنا الربيع “العربي” الذي زلزل المنطقة وسمح للدبخشيين بقيادة الحكومة، بعد أن تمكنوا من استدراج الناخبين بخليط موزون من الوعود والعبر الأخلاقية، والنقد المجلجل لتقاعد الوزراء والنواب ولاعبي كرة التنس ومهرجان موازين وغرغرة بطن سيدنا عمر، وما إلى ذلك.

شرعوا إذن في تنفيذ المرحلة الدبخشية الثانية، وهي تخريب تقاعد الموظفين وتسمين تقاعد الوزراء والنواب.

أشرف كبير الدبخشيين، وكان وزيرا للمالية، على إضافة ثلاثة سنوات عمل لكل موظف بعد عمر الستين.

سيعملها الموظف بيليكي حتى يسمح له أخيرا بالتقاعد.

وهذا هو البيليكي الخالص الحر، أما أنت سيدي الفاضل فتشتغل مقابل ملايين السنتيمات نهاية كل شهر.

تنبني نظرية الدبخشية، في شقها الاقتصادي على فتح باب التوظيف للإخوان والأخوات من داخل مجلس الحكومة. حيث تتحول المناصب العليا إلى غنيمة يتم توزيع حصصها على المعنيين بنظام وانتظام.

وتعتبر التعويضات المختلفة تكميلا لهذه العملية الدبخشية المستمرة.

صرح أحد أقطاب الدبخشية أن لا حق لأحد أن ينتقد أو يدون عبر المواقع. وطالب إخوانه بالوقوف صفا واحدا وبحزم ضد هذا العبث.

فالدبخشية لا تعترف أبدا بحرية التعبير، وبالرأي العام. فهذه مفاهيم هجينة هدفها التشويش وحرمان الدبخشيين من امتيازاتهم.

لاشك أن نظرية الجاذبية لصاحبها نيوتن، إلى جانب نظرية الدبخشية لمبدعها اليزمي تشكلان اختراقان عظيمان للفيزياء ولعلوم السياسة.

في المقارنة، ابتعد نيوتن عن شجرة التفاح ليتفرغ لنظريته، بينما اليزمي ومن معه قطفوا كل الثمار، واحدة واحدة. وما يريدون الأن هو قطع أغصان الشجرة وجعل البستان في ملكيتهم بلا منافس.

أما الدبخشية الحقيقية بلا مجاز ولا تشبيهات، فهو إصرار حزب قاد الحكومة لولايتين متتابعتين على خلق أسباب الاستمرار رغم فشله الذريع والواضح في تدبير الشأن العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock