لا إكراه في الرأي

تونس: رئيسة للوزراء… ثم ماذا…؟

قبل أيام أعلن الرئيس التونسي، قيس سعيد، تعيين رئيس مكلف للحكومة، وقد إختار لهذا المنصب “نجلاء بودن”، ونحن نرجو من العلي القدير، أن يوفق الرئيس التونسي والرئيسة المكلفة، إلى حل الأزمات التي تعيشها البلاد، وأن تجد تونس طريقها، في أسرع وقت وأقل مدة زمنية، إلى الخروج من هذا المسار المظلم الذي تعيش فيه منذ حين من الزمان، ونحن لم ننشيء هذا المقال  لمناقشة الرئيس في اختياره، ولا يعنينا ذلك لا من قريب ولا من بعيد، وما لأجل ذلك حملنا القلم، وإنما حملناه لغرض آخر، هو بيان ما يحاول البعض استغلاله من وراء هذا الاختيار.

ما إن تم الإعلان عن إسم الرئيس المكلف، حتى انبرت بعض القنوات، المختصة في صناعة الرأي العام، وبعض الإعلاميين على صفحات التواصل الاجتماعي، وكذلك بعض المحللين السياسيين، وبدل أن يناقشوا ما على الرئيسة المكلفة عمله، وما يجب عليها فعله، وبيان التحديات التي أمامها، وأن يمدوننا بتحليلات استشرافية لما سيكون عليه عهدها، وبدل كل هذا وغيره، فقدا أمسكوا في شيء واحد، وهو أنها أول امرأة عربية تصل إلى هذا المنصب، وتم تسليط الضوء على هذا الأمر بشكل فاضح يظهر توجهات تلكم المنابر وأي أفكار تخدم.

ثم ما الإنجاز في أن تصبح إمراة وزيرة؟؟ وأين الإنجاز في أن تصبح رئيسة وزراء؟؟ وها هي أصبحت رئيسة دولة.. ثم ماذا؟؟ وهاهي المرأة تبادلت هي والرجل الأدوار، ماذا بعد؟؟ ثم ماذا، وثم ماذا،… وزغردي يا انشراح، إني والله لأعجب، كل العجب، من هؤلاء الغالين والغاليات الذين نصبوا أنفسهم في مقام إبراز وإظهار مكتسبات المرأة في العالم العربي والاسلامي ، فيصورون  ما وصلت إليه على أنه شيء، وإنما هو مع أبسط نظر فيه، وعند التحقيق، تجده لا  شيء ، فضلا على أن  يصح التبجح به، وكشف صفاقة الوجه في اظهاره، وإن من صفاقة هؤلاء أنهم يعذبوننا بجهلهم، و يتعبوننا بأوهامهم، وذلك أنهم لو كلفوا أنفسهم النظر في تاريخ هذه الأمة العربية الإسلامية الطويل القديم الضارب في القدم، لعلموا أنه لا يصح لهم التبجح بمثل هذه الأمور، ولعرفوا أن ما وصلت إليه المرأة العربية في عصرنا الحاضر، لا يساوي شيئا، ومن هؤلاء أناس وجهات يعلمون ولكنهم يغضون الطرف ويكتمون، لأغراض علمها من علمها وجهلها من جهلها.

وكما قلت، فلو كلف هؤلاء، وأمثالهم وأشباههم، أنفسهم مشقة البحث والنظر، لعلموا أن ما يتباهون به الآن من إنجازات حققتها المرأة العربية، إنما هي في الأصل فشل لحق بالمرأة العربية والإسلامية، فهي كانت وزيرة لأخطر الوزارات قبل 14 قرنا، ولا نجدها الآن، وبعد كل هذه القرون الطويلة إلا وزيرة، فأي فشل هذا لحق بالمرأة العربية والمسلمة؟؟؟. فلو أنهم بحثوا لوجدوا إسم الصحابية الجليلة، “شفاء العدوية”، كانت وزيرة في عهد الخليفة الراشد الثاني الفاروق، رضي الله عنه، ولم تكن وزيرة لأي ضرب من وزارات، وإنما وزيرة التجارة، وأنت يا صاحبي، تعلم حال العرب قديما مع التجارة ومكانتها عندهم وكيف كانت تدار، مما لا يقدر على إدارته وسياسته أبرز السياسيين في وقتنا الحالي، ولا أحصفهم رأيا وأكثرهم امتلاكا لأسبابها، لو وضعوه وزيرا آنذاك، وما يدريني فلعلك ايضا لا تعلم.

ومن أمثال ذلك نجد “زينب النفزاوية”، والتي كانت زوجة يوسف بن تاشفين، رحمهما الله، وكانت مستشارته في الحكم، وإليها يرجع إذا اختلف عليه الرأي، و هذا الدور هو دور مستشار الرئيس في يوم الناس هذا، و ليس لأي كان أن يصل هذه المرتبة، ونكتفي بهذين المثالين، وإلا فإنه توجد أمثلة كثيرة، ولكن لم نرغب في إيرادها هنا طلبا للاختصار، وكما ترى، فإن هذا لا يعتبر نجاحا، ولا يعتبر شيئا من الأفعال والإنجازات، يستحق كل التطبيل الذي طبل له، وإنما هو أمر عادي، ونقول عادي لأننا أحسنا الظن، وإلا فإنه فشل، لو قارناه بما بلغته المرأة العربية والمسلمة قبل قرون بعيدة.

و مما أثارني، ولفت انتباهي، هو كلام بعض المحللين، معناه أن تعيين امرأة رئيسة للحكومة فيه رسائل للخارج، ولم يكلف أحد منهم نفسه أن يعطينا مضمون بعض تلكم الرسائل، التي يحملها قرار تعيين إمرأه على رأس للحكومة، إلى الخارج، فيا ترى أي رسائل يحملها هذا الأمر؟؟ وقد حرصت جهدي وبذلت فكري لأصل إلى مضمون تلكم الرسائل، فوجدت أنه مجرد كلام عربي غير مفيد بالوضع، وأنه فقط هرطقة بعض المحللين تتبجح به الأفواه المتلمضة.

إن ما يخطط له من وراء كل هذا لم يكن يوما خفيا عني، وإن الألاعيب الملتوية التي يتم إتباعها لأجل الترويج لهذا النوع من التوجه، وتغليبه وتحكيمه، مفضوحة أمامي، وأحب أن أقول: إن الحق واضح صلف لا يشتبه، ليله كنهاره، ولا يحتاج إظهاره، إلى كل هذه الأساليب الملتوية، من توجيه الرأي العام والتلبيس والتدليس عليه، ومحاولة صنع مسلمات ذهنية و بديهيات عقلية جديدة لهذا العقل العربي المسلم، أو ما أسميه ب”صناعة العقل الواحد”،  إن الحق لا يحتاج لكل هذا لأجل بيانه، وما احتاج لهذه الأساليب الملتوية والطرق الخبيثة فهو باطل، أو شبهة يختلط فيها الحق بالباطل.

ـــــــــــــــــــــــــــ

كاتب مغربي، باحث في العقائد والمدارس الفكرية والاستشراق.     

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock