بين المغرب وطهران تنكشف خطة العدل والإحسان
لا جرم أن إيديولوجية الإسلام السياسي ككل الإيديولوجيات المنغلقة، تجعل معتنقيها يتعامون عن جرائم الأنظمة السياسية القائمة على نفس الإيديولوجية والموظفة لها في قهر شعوبها كما هو حاصل في إيران أو قطاع غزة تحت حكم حماس أو أفغانستان بعد سيطرة طالبان. فالمواقف والأحكام الصادرة عن تنظيمات الإسلام السياسي لا يحددها الواقع السياسي والاجتماعي للشعوب الخاضعة لتلك الأنظمة، ولا حتى مبادئ وقيم حقوق الإنسان في بُعدها الكوني، بقدر ما تحددها المرجعية الإيديولوجية لتلك التنظيمات. بفعل هذا التأثير لا تجد تلك التنظيمات في أشكال القمع وأساليب القهر والاستبداد التي تمارسها أنظمة الإسلام السياسي الكاتمة لنفوس شعوبها، أي خرق لمبادئ حقوق الإنسان وشروط ما تسميه “بالحكم الرشيد”.
وتثبت أدبيات تنظيمات الإسلام السياسي خلوها من أي نقد جريء أو انتقاد صريح لأساليب القمع ومصادرة الحريات مثلا في إيران أو في غزة، بحيث يصير التكتم على الجرائم السياسية ضرورة يفرضها “واجب النصرة” الذي يؤسس له الحديث النبوي الشريف “أنصر أخاك ظالما أو مظلوما” مهما كانت فظائع البطش وهمجية القمع ووحشية الإعدامات. فالنصرة تقف عند الدعم والتأييد ولا تتعداهما إلى النقد والانتقاد بهدف الردع عن ارتكاب جرائم القمع والتعذيب. بينما حين يتعلق الأمر بالأنظمة السياسية التي لا تتبنى إيديولوجية الإسلام السياسي ومشروع إقامة “نظام الخلافة” وتحكيم الشريعة، نجد ذات التنظيمات تشحذ كل أسلحة التحريض والتشهير والافتراء والابتزاز للنيل من مشروعية هذه الأنظمة واستهداف مؤسساتها بغرض شيطنتها وعزلها على الشعب. إن هذه التنظيمات لا تأل جهدا في سبيل إحداث فجوة بين الأنظمة وبين شعوبها وإذكاء العداء لها وللدولة سواء بالافتراء أو تضخيم أحداث بعينها أو بتجاهل المكتسبات. لهذا نجد هذه التنظيمات لا يهمها خرق الديمقراطية أو الانقلاب عليها أو السيطرة على الحكم بالقوة في الدول التي يحكمها الإسلام السياسي، بينما تقيم “المندبة” ضد أدنى خرق حقوقي ترتكبه أنظمة تختلف معها في المرجعية الإيديولوجية. آلاف الإعدامات في إيران منذ سيطرة الخميني والملالي على الحكم سنة 1979 وإلى اليوم لم تلق أدنى تنديد من تنظيمات الإسلام السياسي ولا عويل على خرق حقوق الإنسان أو مصادرة حق المعارضة في الاحتجاج والتعبير عن مواقفها علانية.
ففي مقالة نشرها موقع جماعة العدل والإحسان تحت عنوان “طهران: لا تساهل مع المعارضة” بتاريخ 9 دجنبر 2009، لم تتم الإشارة على الإطلاق إلى أي خرق أو اعتداء أو مصادرة لحقوق المعارضة أمام تهديدات القضاء الإيراني إلى المعارضة التي نظمت تظاهرة إحياء لذكرى “يوم الطالب” اعتقلت خلالها السلطات أكثر من مائتي شخص. بل إن الجماعة أوردت تهديدات السلطة إلى خصومها دون إدراج صوت ورأي المعارضة. مما يعني أن الجماعة تدعم قمع الحريات والاحتجاجات في إيران ولا تراها خرقا لحقوق الإنسان.
هكذا نقرأ في المقالة (ورداً على سؤال عما سيكون عليه موقف السلطات حيال المرشحين الإصلاحيين الخاسرين مير حسين موسوي ومهدي كروبي، إضافة إلى فائزة هاشمي ابنة رئيس “مجلس خبراء القيادة” هاشمي رفسنجاني، أجاب المدعي العام الإيراني غلام حسين محسني ايجائي إن “السلطات القضائية والشرطة التزمت حتى الآن ضبط النفس بهدف تحديد صفوف الأعداء في شكل واضح لمن يجهلون هذا الأمر”، وأعلن أنه لن يكون هناك تسامح اعتباراً من اليوم حيال أي شخص يعمل ضد الأمن القومي).وقال إن: “الاستخبارات وأجهزة الأمن تلقت أوامر بعدم التساهل مع من ينتهكون القانون، ويعملون ضد الأمن القومي ويفسدون الأمن العام”، مضيفاً “إذا قام أحدهم بالإخلال بالأمن والنظام، سيتم التعامل معه بحزم. سنتخذ التدابير الضرورية، على أن يشمل ذلك مدعي عام طهران إذا لم يتحرك بحق من ينتهكون حقوق الناس ويخلون بالنظام يومياً في المدينة ويسببون أضراراً بالممتلكات العامة”. 204 تم اعتقالهم وهم ليسوا شيوعيين ولا مناوئين للنظام، فقط لأنهم يطالبون بحق التظاهر السلمي. أما حين يتعلق الأمر بالمغرب، فإن الجماعة تجنّد كل أذرعها الإعلامية والحقوقية لمهاجمة المغرب ونظامه السياسي، ليس بهدف الإصلاح ولكن بغرض التدمير. فأن يُعدم نظام الخميني منذ يونيو 1981 بعد قرار السيطرة على الجامعات والقضاء على حرية التفكير وحركة التنوير 120000 تلميذ وطالب وشخصية تقدمية ومناضل، وقتل 30000 سجين سياسي من مجاهدي خلق الذين كانوا يقضون فترة عقوبتهم الجائرة، بموجب فتوى للخميني في صيف 1988، ودفنوا في مقابر جماعية، وأن يفصل حوالي 12000 أستاذ جامعي و 17000 طالب من كافة الجامعات في البلاد، أمر لا يستحق الإدانة ولا التنديد فأحرى أن يكون سببا يدفع الجماعة إلى التحريض على الثورة ضده مثلما تفعل تجاه المغرب متنكّرة لكل المكاسب السياسية والحقوقية، وفي مقدمتها تمتع الجماعة بما يكفي من الحرية لنشر مواقفها والتعبير عنها آرائها علانية ودون حرج، كما حدث في الندوة التي نظمتها قناة الشاهد الإلكترونية التابعة للجماعة ، يوم 29 شتنبر 2021 حول: “المشهد السياسي المغربي بعد انتخابات الثامن من شتنبر”. فقد وُجهت الدعوة إلى الأطراف المناهضة للدولة وللنظام: عمر أحرشان وأبو بكر الجامعي وفؤاد عبد المومني، ليهاجموا النظام ويشككوا في مشروعية المؤسسات المنتخبة كما جاء في مداخلة أحرشان “المؤسسات التي أفرزتها صناديق الاقتراع تفتقد إلى المشروعية الديمقراطية” لأنها غير ذات تمثيلية، وبالرغم من أنه ليست هناك صيغة قانونية لكي نزيح صفة التمثيلية عن هذه المؤسسات ولو بمشاركة 10 أو 15 في المائة فقط، “ولكنها شعبيا وفي الديمقراطية باعتبارها هي سيادة الشعب علينا أن نعتبر بأن أغلبية الشعب لم يصوت على هذه المؤسسات.”
كلام يفقد كل مصداقية بسبب عدميته وعمائه الإيديولوجي أمام الجرائم السياسية التي ترتكبها أنظمة الإسلام السياسي، وآخرها الجرائم الهمجية لحركة طالبان التي استبشرت الجماعة بسيطرتها المسلحة على السلطة في أفغانستان ولم تر فيه طغيانا ولا استبدادا ولا فقدانا للمشروعية.
كل جرائم أنظمة الإسلام السياسي “مشروعة” عند الجماعة، بينما الانتخابات والمؤسسات المنبثقة عنها في المغرب “غير مشروعة”. طبيعي أن يكون هذا موقف جماعة طالب مرشدها ومؤسسها من الملك الراحل الحسن الثاني في “رسالة الإسلام أو الطوفان” حظر كل الأحزاب السياسية.