بيليكي اليزمي
اليزمي غاضب.
يشتكي من المدونين الذين استطاعوا أن يدلوا برأيهم أمام لجنة النموذج التنموي، والذين يطالبون ليل نهار بمراجعة تعويضات وتقاعد نواب الأمة دون مراعاة من مزق حذاءه بحثا عن أصوات الناخبين، حسب قوله.
تأثرت كثيرا وأنا أطالع الخبر الذي انتشر كالنار في الهشيم.
بل كدت أن أذرف الدمع لحالة اليزمي ومعه ثلة من ممثلي الشعب داخل البرلمان.
فضياع الحذاء وفساده خسارة كبيرة وتضحية جسيمة.
الحذاء ضروري للمشي وزينة للرجل. دون حذاء، قد تتأذى القدم وتنزف دما.
وربما يفقد صاحبها، ظفرا أو ظفرين، ويغامر بهجر أحبته وأصحابه له، بعد أن صار يجر حذاء مشوها ومنفرا للناظرين.
والحقيقية، أنني لا أجد الكلمات المناسبة لأعبر بها عن إعجابي بصبر وجلد اليزمي كل هذه المدة، بعد أن فسد حذاءه وصار غير صالح، إثر إقدامه على الترشح الفوز بمقعد أحمر وثير تحت قبة البرلمان في الرباط.
لا شيء أبدا يمكن أن يعوض حذاء جميلا. رغم ذلك، يتلقى اليزمي تعويضا عن مهمة نائب في البرلمان، وتعويضا آخر عن مهمة عمدة مدينة فاس.
طبعا، لا قيمة لما يتلقاه من مال عام عن هذه المهام أمام ضياع الحذاء.
فلنتخيل للحظة، ما سيعانيه من سخرية واستخفاف جراء انتعاله حذاء تقادم وفقد بريقه إثر المشي بين المصوتات والمصوتين لكي يختاروا القنديل المشهور، رمز حزب العدالة والتنمية.
بالمناسبة، اليزمي كان أيضا وزيرا.
ورغم أن هذا المنصب وحده يضمن له تقاعدا مريحا، فالقضية مسألة مبدأ: الحذاء لا يعوض. والحزب أصلا حزب مبادئ وأخلاق عالية لا ينكرها إلا حاقد حسود…
أما المدونون والمدونات، فعليهم أن يفكروا منذ اليوم في حملة واسعة لرد الاعتبار والكرامة لكل من أهدى حذاءه فداء للسياسة، وللوطن.
فلا يجادلون في تعويضاته مهما تعددت، ولا يزاحمونه بالتفكير والنشر والتواصل مع المواطنين.
وحجتي واضحة: من يدون ويكتب لا يستعمل حذاءه، بل عقله، لهذا فلا حق له في إبداء الرأي أمام اللجان، ولا حق لتلك اللجان في استدعاءه.
لم يترك اليزمي ومن معه، بابا إلا طرقوه، ولا دوارا إلا زاروه، افعوا، اقنعوا، ونالوا الأغلبية في البرلمان بعد أن أفسدوا جميعا أحذيتهم كذلك، لا مجال إذن للمبتدئين في الشعبوية لمنافستهم، يجب أن يتوقف هذا العبث الذي أقلق اليزمي دفعه للضرب مرارا على الطاولة والصراخ والغضب.
حسب الطب الصيني القديم، فالقدم هي سر الصحة والسعادة.
وقد يكون سبب تغير مزاج نواب حزب العدالة والتنمية، صاحب الأغلبية، راجع بالأساس لتضرر اقدامهم.مما يفسر لا محالة رسالة التراجع عن إصلاح تقاعد النواب، والمطالبة بتصفيته.
فالمزاج المتقلب من أعراض تعب القدمين جراء فساد الحذاء، ولا علاقة له بدغدغة مشاعر الناخبين، استعدادا للانتخابات القادمة، كما يزعم بعض ضعاف الفهم.
للحذاء منافع عدة قد يجهلها معظم الناس. فهو وسيلة تعليمية ممتازة، يساعد على ترسيخ المفاهيم وحفظ المعلومات بفضل أثره النافع على رأس وجسد المتعلمين.
كما سجل التاريخ استعمال الحذاء للاعتراض على الكذب والبهتان، كما في واقعة الرئيس الأمريكي الأسبق والصحفي العراقي ببغداد.
ربما ان الأوان أن يضيف البرلمان تعويضا منصفا لنوابه عن تقطيع احذيتهم، فغير كاف أبدا أن تقتصر الامتيازات على المازوت والهاتف و تذكرة القطار والطريق السيار والإقامة في الفندق والتقاعد.
أما من لا يملك حتى ثمن حذاء وعشاء ليلة من المصوتين المحترمين، فغدا أو بعد غد، سأخبركم عن منافع المشي حافيا المثيرة والصحية، وعن منافع التفكير مليا قبل التصويت لمن هب ودب.