بوطربوش والممثلون…!
في المسرح، اعتاد المتفرجون منذ القدم أن يحمل الممثل قناعا. ولعل القناع المزدوج كان الأكثر شيوعا، واحد للمأساة وثان للكوميديا.
اشتهرت الدراما اليونانية، قرونا قبل الميلاد، بمسرح يقام احتفالا بالآلهة، ويلبس خلاله المحتفلون أقنعة مختلفة.
يمكن العثور على أقنعة أخرى في مسرح النهضة الإيطالية والمسرح الياباني.
عادةً ما يكون قناع المسرح تعبيرا عن الشخصية أو المشاعر التي يتقمصها الممثل.
طبعا، خارج المسرح يعود الممثل لطبيعته وحالته العادية بعد أن يترجل من الركح وينزع عن وجهه القناع.
تخلص المسرح المعاصر من تقليد حمل الأقنعة. فقد صار إبداع المخرج والممثل ضروريا لبناء شخوص مسرحية، دون الاعتماد على الأقنعة. فهم الجمهور أن متابعة الحوار والأداء وأحداث المسرحية هو السبيل لتحديد ما يؤديه الممثل من عاطفة ومشاعر إنسانية.
في المقابل، استمر السياسيون في لعبة حمل الأقنعة. فما أن يقترب موعد الانتخابات، حتى تبدأ بوادر مسرحيات رديئة تظهر في الأفق.
يجلس المناضل، المرشح للوزارة، حول طاولة في مطعم شعبي وبين يديه وجبة فول شعبية رخيصة، يلتهمها وعينه على المصور، مستعجلا إياه التقاط صورة من مشهد درامي غير متقن.
إنه يمثل دور المواطن الفقير الورع الصالح.
ممثل أخر من نفس الفرقة المسرحية، يتجول بين دروب حي قصديري بائس، موزعا ابتسامة صفراء وووعودا تشبه قطرات الندى الصباحي.
سوف تتبخر مباشرة بعد إسدال الستار ونهاية المسرحية.
انتهى دور ابن الشعب، ليبدأ دور السياسي المطيع للباطرونا ولأصحاب المال والمصالح الكبيرة.
رفع الزعيم سقف الأداء المسرحي عاليا حين بكى و أبكى أتباعه. دموع حارقة وآهات تستحق التصفيق والتهليل.
في حياته اليومية، بعيدا عن مسرح السياسة، وبعد أن يضع قناعه جانبا، هو مجرد إنسان عادي يشبهنا جميعا: يركب سيارة فارهة عادية ويسير محاطا بحرس غلاظ شداد عاديين، بينما تنتظره مثل أي شخص عادي أنهى خدمته بتفان، ملايين من السنتيمات تقترب من العشرة، في نهاية الشهر.
هذه الأيام، وبمناسبة الحديث عن المسرح دائما، يبدو أن عضوا بارزا في حزب نبيل بنعبد الله قد سقط منه سهوا قناع الاشتراكية والعلمانية وقيم حقوق الإنسان وحرية التعبير، وما إلى ذلك من مساحيق يختفي وراءها من أجل أداء دوره.
في لحظة كاشفة، دون قناع، لم يتمالك نفسه وطالب بإعدام ناشط و كاتب رأي، عبر تدوينة على صفحة موقع تواصل اجتماعي.
هكذا، صرح بما يخفيه من مكنون متطرف وصل حد التهديد بالقتل.
اعتذر كريم بوطربوش عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية عن تدوينته وسحبها، ثم برر ما وقع له بالانفعال العاطفي.
فعلا، القناع والانفعال العاطفي هما أساس المسرح الناجح.
وفي نفس الوقت، هما سبب السياسة المنحطة والفاشلة.