بلاغ حزب العدالة والتنمية وأزمة الاسلاميين

أسباب النزول هو بلاغ حزب العدالة والتنمية الذي قامت عليه القيامة، لأنه ربط الزلزال بشكل مباشر بغضب الله، ورغم أن بيانا سابقا نشر مباشرة بعد زلزال الأطلس ليلة الجمعة 10 شتنبر 2023 عبر عن ذلك بطريقة غير مباشرة وبجرعة خففها بالآية الكريمة “واعتصموا بحبل الله جميعا” ليقول بصوت خافت لا يثير الزوابع، إن سبب ما حل بنا هو عدم اعتصامنا بحبل الله جميعا.

وأنت تستمع بموضوعية لكلمة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الاله بنكيران (27/09/2023)، ردا على إخوانه الغاضبين من بيان الحزب الأخير، لا يمكن ألا تشعر بنبرة الحزن المخفية في كلماته التي خص بها من “حسنت نيته من إخواننا أعضاء الحزب” حسب قوله. ولا يمكن ألا تشعر بصدقه وهو يدافع عن وجهة نظره.

نعم، الرجل صادق مع مرجعيته ثابت عليها، واضح أكثر من غيره.

ببساطة لأنه ليس وحده من يفكر بهذه الطريقة، ولأنه لم يأت بمرجعية من المريخ، بل هو كما هو حاله دائما “كيطبز ليها العين” عندما يقول كل شيء في أي وقت دون مراعاة السياق.

ما يمكن أن يلام عليه بنكيران وبشدة هو أنه نسي أنه أمين عام لحزب سياسي، ولبس جلباب الأمين العام لحركة التوحيد والإصلاح، وخرج بخطاب ديني كان من الذكاء السياسي أن يطلب من ذراعه الدعوي، الذي توارى عن الأنظار، ليدبج هذا الخطاب، ويكتفى هو بموقف سياسي يليق برجل الدولة وبرئيس حكومة سابق ورئيس حزب مهم في الساحة السياسية المغربية.

ولهذا لا أحد يمكنه أن يلوم الريسوني على ما كتبه في هذا السياق لأنه فقيه أولا وأخيرا، ولو خرجت الحركة الدعوية ببيان يتحدث عن الذنوب والمعاصي ويدعو الى التوبة، لا تثريب عليها.

لكن، ليس بنكيران وحده من لم يستطع ترك الدعوة والخطاب الدعوي واشكالاته لأهله، بل ومن خلال متابعتي للنقاش الذي قاده عقلاء الحزب بهدوء بعد وقبل البلاغ الزوبعة، بل وحسب الشرارات التي تسربت من نقاش الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، فإن الإسلاميين الذين اختاروا المشاركة السياسية يعيشون إشكالات حقيقية تحتاج إلى جرأة كبيرة ليس لتجاوزها ولكن لفتح النقاش فيها.

فقد نشر الدكتور سعد الدين العثماني رئيس الحكومة السابق مقالات بعد الزلزال بعنوان “الكوارث الطبيعية وعلاقتها بالعقاب الإلهي” وحاول تعميق النقاش حول “الزلازل والكوارث بين الابتلاء والعقوبة” في الوقت الذي كنت أنتظر من رئيس حكومة سابق ووزير خارجية سابق وفاعل سياسي مهم سابق ملم بملفات الدولة ودهاليزها ونقط قوتها ونقط ضعفها أن يساهم في النقاش حول ما يمكن عمله ليكون الزلزال منعطفا يمكن أن يكون نقطة تحول إيجابية لمستقبل المغرب.

كما أن محمد يتيم القيادي ووزير التشغيل السابق ترك التنظير السياسي لمخرجات الزلزال ليخبرنا أن “الزلازل والبراكين وانهيار التربة ..تجري وفق أقدار الله أي وفق سنن كونية ليست بالضرورة مرتبطة بمعاصي الناس.”

وفي نفس السياق لم يجد السياسي المحنك ابن المغرب الشرقي عذرا للأمين العام للحزب الذي صدر بتوقيعه البلاغ الذي أثار غضبا عارما داخل وخارج الحزب غير “نزعته الصوفية”

وسار على نفس المسار قياديون محليون وسياسيون من حزب العدالة والتنمية وبعضهم لا يزال في مناصب مهمة داخل الدولة، وأعادوا نشر تدوينات لفقهاء “فيهم الضو” رفضوا “التفسير الآلي الغيبي للكوارث الطبيعية.

وهكذا ضاعت مجهودات طاقات سياسية لا أشك في قدراتها ومستواها العالي في التحليل والتنظير والاقتراح، وهي تحاول الإجابة على السؤال المستحيل “هل الزلزال غضب إلهي أم سنة كونية؟ هل الابتلاء غضب أم امتحان؟” فقط بنكيران وكما هي عادته رفض أن يقول موقفه من هذا النقاش في مقال صامت أو في دائرة ضيقة بل أعلنه جهارا نهارا وفي بلاغ سيقرؤه العادي والبادي وربما يترجم الى لغات أخرى ويقرؤه الروم والفرنجة.

ان السؤال الذي يشغلني هو :ألم تغير الممارسة الطويلة للسياسة والتواجد طيلة عشر سنوات في مناصب متقدمة لتسيير الشأن العام عقلية الإسلاميين في المغرب؟

كيف عاد الدكتور سعد الدين العثماني بعد هذه التجربة القوية الى ما كان عليه في الثمانيات من القرن الماضي عندما كان من المنظرين الأوائل ل”فقه الحوار” و “قضية المرأة ونفسية الاستبداد” وغيرها من الاجتهادات التي كانت متقدمة في حينها لكنها الآن متجاوزة جدا وتحتاج لجرأة لا يملكها ذلك السوسي الطيب الصامت.

كيف يتحدث سياسي مثل يتيم وغيره عن “معاصي الناس” بعد أن شاب رأسه في دهاليز السياسة، حتى يبدو أحيانا أن تنظيره ل”العمل الإسلامي والاختيار الحضاري” وهو لا يزال يتلمس حرف الألف في السياسة أنضج من موقفه الحالي؟

كيف سيفهم أي مراقب سياسي دولي مهتم بالسياسة في المغرب أن تكون صفحة الأمين العام للحزب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، الذي كان في يوم ما هو الرجل الثاني في المغرب بعد الملك، مليئة بتدوينات من قبيل “آية استوقفتني” و”دروس من النبوة”؟

بعد كل هذه السنوات وبعد كل التضحيات وبعد كل الثمن الذي تم دفعه للمشاركة السياسية، ألم يتمكن هؤلاء الإسلاميون أن يتجاوزوا إشكالات الماضي، وأن يتركوا الدعوة للدعاة والفقه للفقهاء ويقدموا شيئا لهذا البلد من خلال مرجعيتهم لكن من داخل السياسة ومن اجل السياسة.

هل لا يزالون يؤمنون أن دورهم هو إدخال المغاربة للجنة عبر دعوتهم الى الطريق المستقيم بدل المساهمة في اخراجهم من جهنم عبر المساهمة في بناء البلاد؟

أسئلة كثيرة تحتاج لوقفات وليس لمجرد مقال عابر أنهيه بما بدأته، أن الإشكال أعمق وأبعد من الأشخاص، جزء منه على إسلاميي العدالة والتنمية أن يفتحوا فيه نقاشا قد ينقد تجربتهم وربما يعطيها زخما جديدا، وجزء آخر يتعلق بنا جميعا كمجتمع لا يزال يقرأ سيرة الناجحين من زاوية رضاة الوالدين وسير الفاشلين من باب مساخيط الوالدين والله أعلم.