كرونيك

برنامج البيجيدي: كان ذلك خلال العام 2016…!

تصطف مساكن فسيحة وعريضة جنبا إلى جنب، لا يفرق بينها سوى اختلاف نباتاتها وأشجارها.

هي بنايات غاية في الجمال، تحتفظ في مدخلها بممرات عريضة من العشب الأخضر، المشذب بعناية، تبعدها عن سواد الإسفلت.

فالسواد فأل سيء.

من يقطن داخل هذه الفيلات الضخمة يعيش حياة وردية، كما يحلو للفرنسيين أن يصفوها.

رغم تخمة القراء من وصف البساتين والحدائق، منذ أيام المدرسة الابتدائية وتمرين الإنشاء الإجباري، أضيف تفاصيل لا بد منها:

هنا، تزقزق العصافير بسعادة، وينشر الورد أريجا معطرا في الهواء.

لا شئ يعكر سكينة المكان.

تنفتح أبواب الكراجات الكهربائية لتلفظ سيارات باهظة الثمن تغادر الجنان الصغيرة نحو الخارج.

هكذا تبدو أحياء الرياض والسويسي في العاصمة الرباط. تحتل مبانيها الكبيرة والأنيقة، جزء شاسعا من جنوب العاصمة.

سكان هذه الأحياء دون ملامح محددة، يعيشون في الظل ويمارسون نمط حياة مريح تختلط فيه فرنسية الطبقة المخملية، بدارجة من بقايا سنين عجاف سابقة، أو أداة ضرورية للتعامل مع باقي خلق الله الكادحين.

ما إن تغادر نحو حي المعاضيد ودوار الحاجة، حتى يتغير الديكور.

أزقة ضيقة ليست لها أسماء، فقط أرقام، اشهرها الزنقة 78. فهي الوحيدة التي تكفي بالكاد لمرور السيارات.

يتكدس داخل المنازل العمودية عائلات متعددة الأفراد، مساحة الشقق لا تتعدى، في أحسن الأحوال، خمسين متر مربع.

بالنهار، يعوض صفير طناجر الضغط، زقزقة العصافير وخرير المياه.

بالليل، صيحات السكارى والمخدرين والمقهورين تملأ الفضاء بالكلام البذيء والسب والتهديد.

يقف شباب عاطل عن العمل، فقير ودون مؤهلات على طول الأزقة مثل الشجر.

لا يغادر المكان إلا إلى أقرب متجر كبير يبيع الخمور، ليتدبر أمر زجاجة نبيذ أو اثنتين يسهر بهما رفقة خلانه.

بينما تستضيف الأحياء الراقية جالية أجنبية متنوعة، أوربية وأمريكية وأفريقية راقية..

تكتفي تجمعات المعاضيد ودوار الدوم ودوار الحاجة بالمهاجرين الأفارقة المفلسين الذين يكترون مكانا للنوم وسط البؤس والفقر ويخرجون كل الصباح حاملين مكنسة وكيسا صغيرا في انتظار فرصة عمل بدراهم قليلة.

لا تضيع وقتك في قراءة كتب كارل ماركس وماكس فيبر ومحمد الجابري: جولتك بين عالمين يشكلان رأس الهرم والنخبة والقاعدة العريضة من الفقراء والحرافيش ودراسة طرق تعايشهما في حذر وصمت، تجعلك خبيرا في علم الاجتماع وعلم التعمير، وحتى في علم صناعة الماحيا وبيع السجائر بالتقسيط وتربية كلاب شيواوا.

يتأرجح مواطنون كثيرون بين رفاهية الرياض وبؤس المعاضيد، داخل أحياء أخرى بمدينة الأنوار وفي العمارات والشقق المكرية، وكذلك بطول وعرض الوطن.

إنهم الطبقة الوسطى.

من يظن أن الحل هو تفقير الطبقة الوسطى بالمزيد من الضرائب والمزيد من الغلاء، والقضاء على فرص الترقي الاجتماعي، بحجة التضامن والعدال الاجتماعية، فهو إما فاقد للبصر ولا يرى أين تتكدس الثروة، أوجبان يختار أن يواجه الحلقة الأضعف، خوفا من إزعاج زقزقة الطيور بسعادة وتعكير أريج الورد المعطر في الدوائر المحمية.

“والحزب، إذ يلح على مطلب العدالة الاجتماعية، فإنه يعتبر التفاوتات المبنية على اختلاف الجهود المبذولة أو الاستحقاق طبيعية ولا تندرج بالضرورة ضمن الاختلالات التي توجه إليها إجراءات البرنامج إلا في الحالة التي تتعدى فيه هذه التفاوتات الحدود المعقولة وتصير مهددة للسلم الاجتماعي.”

من برنامج العدالة و التنمية،07 اكتوبر 2016.

يبقى الحال على ما هو عليه، وتستمر الهجمة الشرسة على المكاسب الاجتماعية.

مبروك قانون المالية الجديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock