باكلوريا… جحيم… وحب أول أيضا…!
لا أتذكر تفاصيل لحظة سماعي خبر النجاح في امتحان البكالوريا.
يغمرني فقط إحساس فريد بالنجاة من شيء ما خطير ورهيب.
في الواقع، لم أواجه أبدا حيوانات شرسة تحت جنح الليل، في غابة بعيدة وموحشة. غير أني أظن واثقا أن انتصاري على هذه الوحوش التي صنعتها مخيلتي للتو، سيكون، لا محالة، بطعم خبر النجاح في البكالوريا.
ربما، في مواجهة الوحوش وهي تشهر أنيابا حادة ومخالب قاتلة وتظهر وتختفي بين الأشجار، محاطة بسواد حالك، بينما تلهو الريح بأصوات صرير وحفيف أغصان كأنها أشباح موتى، ربما هناك خطر ما. أما امتحان البكالوريا، فلا شيء ظاهريا صمم ليرعب الطلبة. الأمر لا يتجاوز أربعة أو خمسة فروض ويدخل المرء نادي حاملي الشهادة.
مهما حاول حامل هذه الشهادة، لن يستعيد أبدا إحساس عقله وقلبه، وحتى خصلات شعره، حين عرف أنه نجح.
سيحاول جاهدا إعادة المشهد بديبلومات لاحقة مثل الإجازة أو الماستر، دون أن يتحقق مراده.
تكاد هذه الفرحة أن تكون بطعم الحب الأول، العذري والفاشل أحيانا.
طعم حلو ومر لا يختفي تماما.
يتفنن الناس في تعذيب المقبلين على امتحان البكالوريا. يبرعون في وصف صعوبة الأسئلة، ومئات الفخاخ المنصوبة للإيقاع بالممتحنين. يربط بعض الآباء والأمهات مصير الإبن والبنت وكل ما يستحقانه من حب وتقدير بالحصول على شهادة الباكالوريا.
في اليوم الموعود للمرور فوق صراط الامتحان، يظهر رجال الشرطة وتنصب الحواجز وتتغير أجواء المدارس لتصبح مثل مقرات سرية للمخابرات لا يقربها إلا المرخصين، بعد التفتيش والتمحيص.
يتحول طلاب العلم إلى أشباح خائفة لونها ممتقع أو إلى كائنات كاسرة تزبد وترغي في وجه حراس معابد البكالوريا.
بعد الامتحان، تبدأ الاستجوابات والتصريحات.. وكأن حربا ما قد بدأت على الحدود.
أتساءل دوما: لماذا لا تغطي الصحافة امتحانات الجامعة ومراكز التكوين المهني وما شابه….!؟
كاتب سيناريو هذه السنة، أضاف تأخير ظهور النتائج إلى منتصف اليوم. لمسة فنية من وزارة التعليم تؤكد حرصها المستمر على نجومية البكالوريا ووهجها المريب.
بدأت الجوقة تعزف مقطوعة أول معدل وأعلى نسبة، بينما تصل أخبار مفزعة عن انتحار راسبة مسكينة في امتحان يرسخ هستيريا جماعية، تجاوزتها كل الأنظمة التعليمية الناجحة.
في انتظار الانتهاء من أجواء لا فائدة منها، مبروك للناجين والناجيات من صدمة النتائج..
وحظا سعيدا للباقي مع الفصل الثاني والأخير من دراما البكالوريا المغربية.