بائع تحت الحصار
غير بعيد عن العاصمة الرباط، حيث كل تجليات التمدن والحضارة، فرص الشغل بالجملة، تمركز الإدارات والمؤسسات ومختلف القطاعات، ترزح تحت أنقاض التهميش مدينة تُسمى “سيدي سليمان” لا تحمل من مفهوم المدينة غير ثقل أحرف الكلمة المعدودات وقد لا ترقى، في نظر البعض، أحيانا لتسمية القرية حتى، لكن أبناءها يرفضون إلا أن يطلقوا عليها اسم مدينة الشرفاء، “عاصمة الغرب”.
تنعدم فيها أبسط شروط العيش الكريم، لا وجود فيها للمصانع أو المعامل أو القطاعات الحيوية للتشغيل، ترتفع فيها نسبة البطالة إلى حد أصبحت معه قاعدة والشغل أصبح استثناء.
في أعماق هذه المسماة (مدينة) يعيش كائن يقتات على الأمل في غد أفضل، يشتري الصّبر قوتا لأطفاله، يخرج فجرا، يعمل جاهدا ثم يروح مع رواح الشمس خاوي الوفاض، إلا من زاد الصبر وبعض فتات الخبز.
يطلق عليه اسم “بائع القرب” لكنه بعيد كل البعد على أن يكون قريبا من المواطن (الزبائن) بل قريبا من واد (بهت) حيث تنبعث منه رائحة ليست كريهة بقدر ما تجعلك تكره الحياة وتعشق لذة الموت، في رائحة لا ولم ولن ترى لها مثيلا إلا إذا زرت وادي المدينة المقبورة، لتكتشف رائحة الموت، حيث تمتزج رائحة الوادي بحمولته التاريخية من المياه العادمة برائحة الماشية والكلاب الضالة والأزبال المتناثرة في كل حدب وصوب، ثم رائحة الخضر والفواكه وقد طال أمد انتظارها لزبون يقتنيها، وأخيرا رائحة عرق البائع المعبرة عن حنقه وخوفه من بؤس هذا الواقع المرير.
هنا أدعوكم أيها الأحياء لاكتشاف أغرب وأرعب روائح الكون، إنها رائحة عوالم ما تحت القبور، رائحة الموت التي يسقط عند بابها نقاب دولة الحق والقانون وشعار المساواة والعيش الكريم، حتى تكاد تجد نفسك موضوعيا خارجا عن حدود خريطة المملكة،
فكيف يُعقل أن يعيش البذخ مواطن، وآخر على نفس الخريطة يُعتقلُ، سجين الفقر والإقصاء، ملّ السقي والساقي، بكى الدمع دما وأكل الرغيف شوكا، أم لكم فيها حق العيش ولهم فيها حق الجوع والخنوع.
بائع القرب هذا مواطن بسيط يبتغي العيش الحلال، يشتري بضاعته بالجملة ويحاول جاهدا بيعها بالتقسيط لكسب قوته وعياله، لكن تحت طائلة هذه الظروف اللاإنسانية يستحيل بيع البضاعة فتبقى معروضة على البوار، لأن الزبون لا يستطيع الوصول إليها لبعدها أولا ثم تواجدها في حضن رائحة الموت والرعب ثانيا، إلا بعض الزبائن من الفقراء المدقعين الذين يسبرون أغوار هذه الرحلة الشاقة بحثا عن الأثمنة المناسبة، فهذا السوق يوفر أجود البضائع بأثمنة معقولة.
وفي هذا الصدد تواصلنا مع الباعة المتضررين لنستقي آراءهم ومواقفهم بخصوص وضعهم الراهن، فأكد لنا رئيس “جمعية النصر للتنمية المستدامة لبائعي الخضر والفواكه حي خريبكة” عماد الدين العروي أنهم يعيشون أوضاع جد مزرية، زادتها الإجراءات الاحترازية في ظل جائحة كوفيد 91 حدة وصعوبة مما جعلهم يعيشون على وقع الاقتراض والسلف في انتظار المجهول في قادم الأيام، وقد أكد أنهم يطرقون باب السلطات المعنية تبعا للمساطر والضوابط القانونية من أجل طرح الملف فوق طاولة الحوار وإيجاد حل ملائم يرضي جميع الأطراف المعنية لما فيه صالح البائع والمواطن والسلطات على حد سواء.
ولهذا الغرض تم وضع طلب عقد لقاء لرفع الضرر عن الباعة بتاريخ 2021/06/14، توصلت “أضواء ميديا” بنسخة عنه، لدى باشا المدينة، ورئيس المجلس البلدي، وقائد الملحقة الإدارية الأولى، لتدارس جميع الإمكانيات والمقترحات التي من شأنها إعادة الإعتبار لبائع القرب كمواطن أولاً، وتمكينه من فرص العمل لتحصيل رزقه والمساهمة في الرواج كمحرك أساسي للاقتصاد التحتي ثانيا.
لكن الغريب في الأمر أن السلطات لم ترد على الطلب إلى حدود كتابة هذه الأسطر، حسب المشتكين ما يبرر تملصها من مسؤوليتها اتجاه فئة عريضة من المجتمع السليماني، ورغم حصرها لائحة المتضررين في حدود 50 بائع جائل محسوبة على الجمعية في المنطقة المذكورة، علما أن العدد أكثر بكثير، إلا أنها تتعامل مع هذا الملف الحساس بسياسة الآذان الصّماء.
ينتظر أعضاء جمعية “النصر للتنمية المستدامة لبائعي الخضر والفواكه حي خريبكة”، ومختلف شرائح المجتمع لمدينة سيدي سليمان المتتبعة للشأن المحلي، بفارغ الصبر ردّ السلطات للبث في مطالبهم العادلة والمشروعة والمتمثلة في أبسط حقوقهم المكفولة دستوريا.