“الوحش” الذى ربَّاه الغرب
رغم ردود الفعل الرافضة للثورة الخمينية عام 1979 من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية ونظرة الريبة التى بدأت تنظر بها هذه الدول -وخصوصاً فرنسا- إلى المسلمين الذين يعيشون فيها، فقد كان الأمر مختلفاً بالنسبة لما أطلق عليه «الحرب الجهادية» ضد السوفييت الذين احتلوا أفغانستان عام 1979، أى فى عام الثورة الإيرانية نفسه.
دعمت الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب «الجماعات الجهادية» ضد السوفيت. وليس أدل على ذلك من استقبال الرئيس رونالد ريجان -رئيس الولايات المتحدة حينذاك- لقيادات هذه الجماعات فى البيت الأبيض، وكان لبعض قيادات «طالبان» مثل جلال الدين حقانى علاقات عميقة مع المخابرات المركزية الأمريكية.
حرّضت الإدارة الأمريكية أيضاً العديد من الحكومات العربية على السماح لعناصر الجماعات الإسلامية فى بلادهم بالسفر إلى أفغانستان، بل وتسهيل مهمتهم فى هذا السياق، بهدف «الجهاد ضد الإلحاد». وسمحت هذه الحكومات أيضاً بجمع التبرعات من كل حدب وصوب لدعم الجهاد الأفغانى إرضاء لساكن البيت الأبيض.
وبالتالى، يمكن القول إنه خلال الفترة من 1979 حتى عام 1988 كانت «الجماعات المتشددة» تعمل تحت رعاية الولايات المتحدة والغرب، والعرب أيضاً.
وفى زخم هذه الأحداث بزغ نجم أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى، اللذين أسسا فى نهاية الحرب الأفغانية تنظيم «قاعدة الجهاد».
الحسبة فى الأول والآخر كانت «حسبة مصالح». فالإدارة الأمريكية ودول الغرب التى تدور فى فلكها كانوا على استعداد للتحالف مع الشيطان من أجل دحر الوجود السوفيتى فى أفغانستان، وقد أرادوا هذه المرة أن تكون «الحرب بالوكالة» بعد تجربتهم المريرة فى فيتنام.
أما الحكومات العربية فكان لها هى الأخرى حسبة، فقد أرادت التخلص من صداع الجماعات التى تضمر لها العداء وتتربص بها الدوائر، فهداها تفكيرها إلى إرسال عناصرهم إلى المستنقع الأفغانى، متمنين ألا يعودوا، لكنهم عادوا!.
حسبة الغرب والعرب لم تكن دقيقة. فالوحش الذى تم تربيته فى أفغانستان والذى تعلم كيف يحمل السلاح وكيف يستخدمه وكيف يخوض المعارك القتالية عاد ليضرب الأذرع التى كانت تتعاون معه بالأمس.أحدث تنظيم القاعدة انقلاباً فى الفكر الجماعاتى حين جعل للعدو البعيد (الولايات المتحدة والغرب) أولوية على العدو القريب (الحكومات العربية)، بعد سنين طويلة توجهت فيها رصاصات الجماعات إلى حكوماتهم العربية، ولم يكن الغرب فى حسبانهم على الإطلاق.
حتى ذلك التاريخ كان المسئولون بدول الغرب، ومن بينها الولايات المحدة الأمريكية وفرنسا لا يشعرون بأى خطر من وجود المهاجرين المسلمين لديهم.كان كل ما يقلقهم بشأنهم أمرين: الأول تزاحمهم على التقاط فرص العمل مما جعلهم عبئاً اقتصادياً على هذه الحكومات، وتمددهم السكانى بسبب كثرة النسل، وهو ما دفع بعض قادة الغرب مثل جيسكار ديستان رئيس فرنسا إلى التفكير فى ترحيل 500 ألف جزائرى من فرنسا فى السبعينات.
طيلة فترة التسعينات وما قبلها لم تحدث عمليات إرهابية من جانب الجماعات المتأسلمة داخل دول الغرب، على العكس كان المسلمون البسطاء وقتها ضحية للعديد من العمليات الإرهابية التى قام بها أهالى هذه الدول الرافضين لوجودهم بينهم.
وكل العمليات التى وقعت ضد الغرب من جانب القاعدة تمت خارج جغرافيته، مثل تفجير السفارتين الأمريكيتين بنيروبى ودار السلام (1998) ونسف المدمرة كول (2000) بميناء عدن اليمنى.لم يكن الأمريكان والأوروبيون وقتها يعلمون أن الوحش الذى ربوه وتعاونوا معه فى أفغانستان يزحف نحوهم ليضربهم فى الداخل.
عن “الوطن” المصرية