الممتنعون عن التصويت واليسار الاسلامي بصدد “إهداء” مارين لوبان مفاتيح قصر الإليزي
في غضون أسبوع سنتعرف على الرئيس القادم لفرنسا، من خلال انتخابات ستكون بلا شك أهم انتخابات منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل. ومع ذلك، نحن نسير، بلا شك على سكة تسجيل امتناع قياسي عن التصويت.
وفي عشية المناظرة التلفزيونية الملتهبة بين الطرفين، ربما سكون اللقاء حاسما لترجيح كفة مارين خلافا لكل استطلاعات الرأي التي تضع ماكرون فوق كرسي الرئاسة، خاصة وأنها لا محالة، ستكون قد استفادت من أخطاء المناظرة الأخيرة ضد نفس المنافس في الدور الثاني في رئاسيات 2017، والتي عوض التحدث عن برنامجها، اكتفت بانتقاد ومهاجمة الرئيس فرانسو هولاند، وإيمانويل ماكرون، على حد سواء.
ولكن، لا ينبغي أن يفهم من امتناع الفرنسيين عن التصويت، أنهم لا يدركون أهمية هذه الانتخابات، ذلك، أن الكثيرين منهم يرفضون الخيارين المعروضين عليهم بين مارين لوبان وإيمانويل ماكرون، وكأنه يوجد خيار أو دور ثالث في هذه العملية الانتخابية.
وفي قلب هذه الإشكالية، هناك بالطبع أولئك الذين صوتوا في الجولة الأولى لجون لوك ميلينشون، وغالبيتهم من المسلمين (70٪)، ويجمع المتتبعون أن ما يسمى باليسار الإسلامي، بالإضافة للممتنعين عن التصويت، هم من سيحسم في تنصيب الرئيس الفرنسي القادم.
وبين ماكرون ولوبان، اختار ثلث أنصار “فرنسا الأبية” أولا التصويت بالبياض أو الملغاة في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية. ثم يأتي ثلث التصويت لصالح إيمانويل ماكرون، وأخيرا امتناع الثلث المتبقي عن التصويت، بحسب ما طالعتنا به نتائج استشارة عبر الإنترنت لقاعدة جون لوك ميلينشون، الذي دعا يوم الإعلان عن نتائج الدور الأول إلى عدم إعطاء ولو صوت واحد لمارين لوبان.، لكنه، لم يدعو للتصويت لصالح ماكرون، مما جعل المجال مفتوحا لكل الاحتمالات، منها، إما الامتناع أو التصويت بالأبيض.
وجاءت نتائج الاستشارة التي شارك فيها 215293 ناخبا، كما يلي، 33.4٪ سيصوتون لصالح ماكرون، 37.65٪ سيصوتون بأظرفة فارغة أو لا شيء، في حين سيمتنع 28.96٪ عن التصويت.
بالطبع، نحن لم نحتسب الأصوات التي كان من الممكن أن يتم الإدلاء بها في التصويت لصالح لوبان، حيث لم يتم طرح السؤال في عملية الاستشارة إياها.
ويبقى أمل العديد من الفرنسيين معقودا، في أن تكون نتائج هذه الاستشارة مخالفة لما سيكون عليه الاقتراع يوم الأحد المقبل، لأن إسقاطها على كل العملية الانتخابية سيكون طامة كبرى، ومعناه استحواذ اليمين المتطرف على قصر الإيليزي، دون أي إقناع أو جهد.
فالممتنعون، كما يبدو، وهم أغلبية، يمكن وبقليل من التخمين تبين نواياهم يوم الاقتراع، فجميع المؤشرات تظهر ميولهم إلى كفة مارين، وتفسير ذلك، أن هؤلاء ما هم إلا خزان أصوات مفترضة لصالح اليمين المتطرف، ليس إلا.
إن غالبية الفرنسيين سئموا من التصويت “ضد”، لكنه مع ذلك، فهو أمر لا مفر منه في انتخابات من دورين. ففي الجولة الأولى نختار، أما في الجولة الثانية نحذف. لنتخيل للحظة أن كل من لم يتأهل مرشحهم للدور الثاني امتنعوا عن التصويت. سيكون الفائز تلقائيًا هو الشخص الذي جاء أولا في الجولة الأولى.
يعلل بعض الفرنسيين في وسائط التواصل الاجتماعي، أيضا إنه لا جدوى من التصويت لأن ماكرون سيفوز، باستثناء أنهم إذا امتنعوا عن التصويت، فلن يفوز ماكرون.
يقول بعضهم أنهم “أقسموا على عدم التصويت لماكرون مرة أخرى”، لكن، في السياسة لا “نقسم” على التصويت لشخص ما أو عدم التصويت لٱخر، نحن نصوت للشخص الذي نعتقد أنه سيكون الأفضل -أو الأقل سوءا- في وظيفته الرئاسية.
يقولون، “سنمتنع ولن نصوت على لوبان”، ولكن عندما تمتنع عن التصويت، فإنك في الواقع تعطي صوتك للشخص المنتخب. فإذا تم انتخاب ماكرون، فسيكون ذلك بفضل الممتنعين عن التصويت الذين لم يصوتوا لـ لوبان. وإذا تم انتخاب لوبان، فسيكون ذلك بفضل الممتنعين عن التصويت الذين لم يصوتوا لماكرون. فالامتناع عن التصويت في هذه الظرفية لا يعني رفض اتخاذ قرار ما، بل يعني قبول أن يقوم الآخرون به مكاننا. وهو ما نحن بصدد فعله حتى الٱن.
وفوق كل هذا، يقولون إنه ليس من المنطقي التصويت لأقل المرشحين سوءا، أو الذين نكرههم. ومع ذلك، هذا هو بالضبط ما طلبوا من الناخبين الاشتراكيين والخضر والشيوعيين القيام به. نذكر، وحتى لا ننسى أنه بالنسبة لهؤلاء الأشخاص فهم لا يكرهون ميلينشون تماما مثل كرههم لماكرون أو لوبان. ومع ذلك، فقد طلب منهم التصويت لهذا على أساس أنه أقل سوءا من هؤلاء. تحت شعار، “افعل كما أقول، ولكن، لا تفعل ما أفعل”.
باختصار، أصبح الناخب الفرنسي أمام خيار شرين لا بد منهما، إما الامتناع أو التصويت بالعقل، فإذا أصبح ماكرون رئيسا مرة أخرى، فلن تصبح فرنسا كما تريدها، لكنها على الأقل ستبقى ديمقراطية ليبرالية، حيث يمكنك التعبير عن نفسك وتأمل أن يتم انتخاب مرشحك في المستقبل. أما إذا أخذت مارين مفاتيح قصر الإيليزي، فاذهب وشاهد ما يحدث في بولونيا أو المجر وستفهم سريعا.
وقتها سيبقى أمام العاقلين خيار واحد يتعين القيام به، ولا يمكن تجاهله بعد الآن.