المغربية مليكة من قاطنة بمركز للإيواء إلى فندق خمسة نجوم بباريز
لم تكن مليكة تعتقد وهي مهاجرة مغربية في عقدها السادس أن تكون يوما ما موضوعا من مواضيع يومية “الباريزيان” الفرنسية، لكن هذه المرة، ليست على صفحات الحوادث لليومية الشهيرة، بل في صفحة الربورتاجات المثيرة. كيف لا ومليكة انتقلت للعيش مأقتا من مركز بئيس للإيواء إلى فندق خمسة نجوم في حي راق بقلب العاصمة باريز.
مليكة لم تكن من الفائزات في ألعاب الحظ واليناصيب، مليكة استفادت فقط من التفاتة مجموعة عقارية مواطنة أهدتها إقامة مجانية بالفندق الفخم مع مجموعة مكونة من 59 امرأة أخرى كن جميعا يقطن في مراكز للإيواء.
لا يعرف البسطاء من أمثال مليكة طريقا لعالم الفنادق المصنفة، بل لا يستطيع غالبية المهاجرين حتى إيجاد مسكن للكراء أما امتلاك مسكن فيدخل في باب أفلام الخيال العلمي لهذه الشرائح العريضة من نفس أصولها المغاربية وفي وضعيتها المادية والاجتماعية.
ويتعرض المهاجرون حسب دراسة للمديرية العامة الأجانب بفرنسا، بشكل كبير للتهميش في مجال السكن بنسبة 3,3٪ ويعيش هؤلاء في تجمعات سكنية توفر لهم خدمات معينة، أو في مساكن متنقلة، أو دون أي سكن، وهي فئة تمثل 5,5٪ بالنسبة للمهاجرين المتواجدين في فرنسا منذ أقل من خمس سنوات، مقارنة مع الفرنسيين بنسبة 2,4٪. وحتى بالنسبة للسكان المشردين وبدون سكن قار، فإن حالة التهميش تطال المهاجرين أكثر من الفرنسيين.
مليكة، التي كانت تمتهن الخياطة بالمغرب، وإن كانت لا تدخل في خانة المهاجرين المشردين أو بدون مأوى، لم تعد تقوى كغالبية المهاجرين، أو في وضعية اجتماعية هشة، على مواجهة ظروف سكن صعبة للغاية، فبالنسبة لمليكة، تغلبت “ٱلة” الفوارق الاجتماعية والتهميش على هذه المرأة وٱلة خياطتها.
وتتضح الفوارق والتمييز التي يعانيها المهاجرون، خاصة المغاربيون في الحصول على سكن لائق، إذ يعيش 64٪ في منازل مكترات بينما يمتلك الفرنسيون مسكانهم بنسبة 60٪.
وفي المقابل، فإن معظم المهاجرين يكترون مساكن اقتصادية بنسبة 31٪ مقارنة مع الفرنسيين بنسبة 13٪.
وذلك لقلة مداخيلهم، وكثرة أعداد أفراد الأسرة الواحدة.
تدخل مليكة في خانة المهاجرين منعدمي الدخل، وأيضا لتقدم عمرها، ولهذه الأسباب، لا محالة، تكفلت بهم إدارة الفندق المصنف قبل تحويله إلى مكاتب، وخولت لهم التمتع مؤقتا بفخامة المكان، وب 91 من حجراته بطابعها “الأوسماني” وطوابقه الخمسة، في انتظار مصير مجهول بعد شهر ماي القادم، وهو تاريخ الشروع في أشغال تحويل الفندق المتواجد بالدائرة الباريزية التاسعة قبالة مكان “أوبيرا ݣرنيي” الشهير.
ما الذنب الذي اقترفته مليكة ومثلها الٱلاف حتى تصير معاناتهم للظفر بأربعة جدران أبدية من يوم قدومهم من المغرب إلى غاية يوم الرحيل. ما ذنبها إن ولدت مغربية وليست من أصول إيطالية، ففي هذا البلد، أصول المهاجرين تحدد تملكهم للمساكن، فالإيطاليون يمتلكون في غالب الأحيان مساكنهم بنسبة 65٪ أكثر من الفرنسيين أنفسهم بنسبة 60٪ فما بالك بمليكة وباقي المهاجرين.
تشاء الأقدار أن تعيش مليكة ذات 65 سنة، بنفس الحظ العاثر عكس كبار السن الٱخرين، فهي تعيش وحيدة بعيدا عن دفء أسرة. فالمثير للانتباه في الإحصائيات، أنه كلما كان من بين سكان المنزل المهاجرين شخص مسن 65،7 سنة مقابل 53 سنة للفرنسيين، إلا وازدادت نسبة امتلاكهم للمساكن.
فكم يكفي من السنوات لمليكة وهي القادمة من المغرب منذ حوالي عشرين سنة، للحصول على سكن لائق يكفل لها قدرا من الكرامة، وهي في ٱخر العمر. كم يكفي من السنوات لكي تظفر بقسط من الراحة والاستقرار كباقي أقرانها، فالفترة التي يقضيها المهاجرون بفرنسا تحدد بشكل كبير فرصة حصولهم على السكن، فالإحصائيات تقر بأن الأسر المهاجرة من أصول إيطالية وإسبانية تتواجد بفرنسا منذ مدة طويلة مقارنة مع المهاجرين من أصول مغاربية أو تركية، وبالتالي تتملك بشكل كبير مساكنها.