سياسية

المشترك بين إسلاميي المغرب وليبيا: الولاء لتركيا والتواطؤ ضد مصالح الوطن

لما تسمو الإيديولوجية عن الوطنية تتحول مصلحة الأوطان إلى قربان يراد به التقرّب إلى الجهة التي تحظى بالولاء. ذاك حال  التنظيمات الإسلامية التي تتولى تسيير الشأن العام في عدد من الدول العربية، والتي يطغى ولاؤها الإيديولوجي على الولاء الوطني. واقعتان أثارتا هذا الإشكال في كل من ليبيا والمغرب رغم اختلاف سياقهما السياسي. ففي الحالتين معا، جعل الإسلاميون مصلحة الوطن في خدمة الولاء الإيديولوجي، ما يعني أن الارتباط بالوطن هو مجرد ارتباط جغرافي لا يختلف عن ارتباط المستعمرين بالمستعمرات. فجميعهم يقومون على تسخير خيرات الوطن لفائدة “الغزاة” أيا كانت وسائلهم.

نموذج المغرب:

منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة وهو يستغل كل المداخل “القانونية” لتمكين تركيا إردوغان من التغلغل في الاقتصاد المغربي واستنزاف موارده .إستراتيجية لم يكن الهدف منها دعم الاقتصاد الوطني ولا تشجيع المقاولات المغربية على تطوير إمكاناتها وقدراتها التنافسية ، بقدر ما كان الهدف تمكين الشركات والمقاولات التركية من سبل نهب خيرات الوطن وتدمير اقتصاده. ولعل المعارك التي خاضها نواب الحزب في البرلمان ووزراؤه ضد الأصوات المطالبة بمراجعة اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا واتخاذ التدابير اللازمة لحماية المقاولات المغربية من الإفلاس (أكثر من 8 آلاف مقاولة أفلست خاصة في مجال الصناعة التقليدية والنسيج ، تسريع 122 ألف عامل خلال أربع سنوات..) بسبب غزو البضائع التركية للسوق المغربية. وبحسب وزير الصناعة والتجارة والاستثمار المغربي ،فقد وصل العجز التجاري مع تركيا إلى 18 مليار درهم سنويا سنة 2019.

وفي هذا الإطار صرح  أحمد الطاهري، المسؤول في معمل نسيج، لموقع “حفريات” بتاريخ 7/1/2020، أنّ حزب العدالة والتنمية ساهم بشكل كبير في غزو السلع التركية المغرب، وأنه  “بمجرد أن وصل حزب العدالة والتنمية المغربي إلى الحكومة، دعم الشركات التركية لغزو السوق المغربية”.

ليس فقط المقاولات ما أصابها الإفلاس، بل الغزو التجاري التركي أغلق مئات إن لم تكن آلاف الدكاكين بسبب انتشار محلات “بيم” في كل أحياء المدن، وكثيرا ما يوجد أكثر من محل في حي واحد ؛الأمر الذي أصاب التجار الصغار بالإفلاس (فتح محل واحد لـ”بيم” يتسبب في إغلاق 60 دكانا). واقع فرض على وزير الصناعة والتجارة والاستثمار المغربي إلى الانتفاض ضد رئيس الحكومة وحزبه الداعم للغزو التجاري والاقتصادي التركي مهددا بتمزيق الاتفاقية التجارية مع تركيا إن لم تقبل مراجعتها. طبعا تركيا قبلت بالمراجعة لكنها استمرت، بالإضافة إلى فتح محلات “بيم” التجارية وسط الأحياء ذات الكثافة السكانية المهمة التي توفر لها سوقا استهلاكية مربحة، في استغلال الفرص التي يمنحها وزراء البيجيدي للشركات التركية على حساب المقاولات المغربية. فقد كشف  الرئيس المدير العام لمجموعة “ساترام مارينا”، مالكة شركات “درابور رمال” و”medocean” و”درابور” و”ساترام إفريقيا”، عن تورط وزير التجهيز والنقل  والقيادي في البيجيدي عبد القادر اعمارة، في تمكين شركات تركية من الاستحواذ على تدبير موانئ المغرب؛ الأمر الذي تسبب في تشريد 250 إطارا وإفلاس شركة “درابور” المغربية أسستها الدولة. بل وجه ذات المسؤول اتهامه للوزير بكونه فتح المجال لشركات تركية التي باتت تتدخل في الأمن البحري الوطني.

النموذج الليبي:

تسارع تركيا الزمن لوضع يدها على ثروات ليبيا بمساعدة وتواطؤ من إسلامييها الحاكمين في طرابلس عبر عقد سلسلة من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية والبحرية والاقتصادية .آخر هذه الاتفاقيات  تتيح لأنقرة مراقبة كافة واردات ليبيا والتحكم فيها وفي إدارة الجمارك، عبر شركة مملوكة لرجل أعمال مقرب من الرئيس رجب طيب أردوغان. وبحسب المعطيات التي نشرتها الصحافة الليبية، فإن حكومة الوفاق قررت تسليم إدارة الجمارك إلى  شركة “أس سي كي” التركية التي أصبحت بمقتضى الاتفاق، المسؤول الأول عن مراقبة جميع البضائع المستوردة إلى العاصمة طرابلس عن طريق البحر والإشراف عليها، كما منحتها تفويضا غير مسبوق للتحكم بواردات البلد لمدة سريان الاتفاقية وهي 8 سنوات، ولا يجوز لأحد طرفيها إنهاؤها بإرادته المنفردة؛ وإذا لم يخطر أحد الطرفين الآخر بعدم رغبته في التجديد، قبل نهاية العقد في غضون 6 أشهر من تاريخ الانتهاء، فإن العقد يعتبر قد تجدد تلقائيا لمدة 8 سنوات أخرى. وتسمح الاتفاقية للشركة التركية الاستحواذ على نسبة 70% من إجمالي الإيرادات في الـ 5 سنوات الأولى على أن تقتطع 60% من إجمالي إيرادات الـ3 سنوات المتبقية في العقد.والأخطر في الاتفاقية أنه في حالة قرر الطرف الليبي  إنهاء العقد ،وفقا للمادة الثانية عشر منه، بدون وجود أي إهمال أو تقصير من طرف الجانب التركي، سيكون ملزَما  بدفع غرامة تقدر بنحو 3 أشهر من إجمالي إيرادات الشركة، وفقا للمنصة من تاريخ إشعار إنهاء العقد مضروبا في 4، أو قيمة مستقطعة تساوي 2 مليون يورو.

واضح أن المشترك بين إسلاميي المغرب وإسلاميي ليبيا هو التواطؤ ضد مصالح الوطن بتمكين الشركات التركية من الهيمنة الاقتصادية واستنزاف خيرات البلدين. فالطرفان معا يجعلان الولاء الإيديولوجي أهم من الولاء الوطني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock