المجاعة أكثر خطرا من كورونا فيروس؟
في سلسلة من الحلقات أعدتها كارولين بروي (Caroline Broué) بموقع فرانس كولتور (FRANCE CULTURE)، وفي برنامج (Les Bonnes choses)، تقترح عليكم الأسبوع المغاربي الحلقة السادسة. في هذه الحلقة تنطلق كارولين من المطبخ بوصفه رابطة اجتماعية ومكانا اجتماعيا قويا يجمع أفراد العائلة كما يجمع الصدقاء والأحباب. المطبخ هو أساس كل شيء. ألا يمكن القول “أنا آكل إذن أنا موجود”؟ منذ سبتمبر 2018، يحاول برنامج “Les Bonnes choses”، تقول كارولين، إظهار مقدار الطعام الذي يمثل مشكلة عالمية وحقيقة ثقافية رئيسية: عاطفية، حميمة، اجتماعية، أنثروبولوجية، اقتصادية، وأيكولوجية … الطعام مصدر اللذة والتقاسم في أحسن الأحوال، ولكنه أيضًا يمثل مخاطرة في الصحة وقضية مسؤولية. مع هذا الوباء وتبعاته الناجمة عن الحجر، لم يكن هذا صحيحًا أبدًا. هذا ما تحاول توضيحه هذه الحلقة.
وفقًا لبرنامج الغذاء العالمي (PAM) التابع لمنظمة الأمم المتحدة، الذي صدر يوم الثلاثاء 21 أبريل، من المرجح أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين هم على حافة المجاعة في العالم في عام 2020 بسبب جائحة الفيروس التاجي. من 135 مليون، يمكن أن يصل هذا العدد إلى 265 مليون بنهاية العام. لقد اندلعت بالفعل أعمال شغب بسبب الجوع. كيف نفهم أنه مازال هناك مخاطر المجاعات في عام 2020؟
لماذا الجوع؟
للإجابة عن هذا السؤال، اتصلنا بالمهندس والاستشاري المتخصص في القضايا الزراعية والغذائية برونو بارمينتييه (Bruno Parmentier)، وهو متخصص في هذه الموضوعات التي كرس لها العديد من الأعمال. مؤلف كتاب “القضاء على المجاعة”، وصاحب أطروحة “التخلص من المجاعة في العالم”، يؤكد على وجود ما يكفي من الغذاء على الأرض. لكن “لابد من إنتاج الغذاء، وثانيا لابد من ضمان ما يكفي من الطعام لكل أسرة ثلاث مرات في اليوم.”
لفهم ظاهرة الجوع، يجب على المرء أن يعرف بالفعل أنها “ظاهرة ثابتة بشكل ملحوظ على الأرض، فطيلة قرن، لم يتغير عدد الجياع، حيث ظل الرقم يقارب أو يناهز 800 مليون”.
وأوضح أن كل ما تغير هو أن الظاهرة غيرت موقعها. “منذ قرن، كانت المجاعة في أوروبا. في عام 1950، كانت في الصين. والآن يتجمع الجياع في منطقتين من العالم: شبه الجزيرة الهندية الباكستانية وأفريقيا جنوب الصحراء.
من جهة أخرى، نجد الأنواع الثلاثة من الحبوب تشكل قاعدة الغذاء العالمي: القمح، الذرة والأرز، “قلة من البلدان قادرة على إنتاج أكثر مما تأكل، مما يجعل السوق العالمية محدودة للغاية”. منتجو القمح الرئيسيون هم روسيا وأوكرانيا وكازاخستان وفرنسا وألمانيا وأمريكا وكندا وأستراليا. بخصوص الذرة تنتجها أمريكا والبرازيل والأرجنتين. وأخيرًا، تعد باكستان وفيتنام وتايلاند المنتجين الرئيسيين للأرز.
خوفاً من الخصاص، حاولت مصر والجزائر طلب قمح أكثر من المعتاد. وبالتالي تشددت السوق. خاصة وأن بلدانا مثل روسيا قررت وقف صادراتها. لماذا؟
“لأسباب سياسية، يشرح برونو بارمينتييه. يريد بوتين أن يثبت أن لديه القوة، وبوصفه ديماغواجيا جيدا، فإنه يطعم شعبه قبل الآخرين. وبما أن سعر النفط والغاز يتراجع، من الأهمية أن نضاعف سعر القمح. ”
لهذا السبب بات الأمن الغذائي في العديد من البلدان محل تهديد، بعد أن اضطربت سلاسل الإمداد وأُغلقت الحدود وانهارت التجارة العالمية. مع الوباء، انعكست مشاكل الإمداد سلبا على البلدان الأفريقية. مع العلم، أن معظم بلدان أفريقيا جنوب الصحراء تعتمد على وارداتها الغذائية.
حتى الآن، تقول منظمة أوكسفام غير الحكومية، التي أصدرت أيضًا تقريرًا الأسبوع الماضي، “كانت الصراعت دائمًا المحرك الرئيسي لأزمات الغذاء، لكن الظروف المناخية القاسية والصدمات الاقتصادية أصبحت ذات أهمية متزايدة” . في الغرب وحده، يمكن أن يهدد الجوع 50 مليون شخصا في غضون بضعة أشهر، بسبب الوباء المرتبط بالجفاف وعدم استقرار مناطق معينة (هذه العوامل الثلاث مجتمعة ستتسبب في ارتفاع الأسعار وانخفاض الطعام المتاح)، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف الرقم الحالي.
اليوم
ولكن إذا كانت إفريقيا هي القارة الرئيسية المعنية، فهي ليست الوحيدة. وما بدأنا نسمعه، من كولومبيا إلى بنما إلى لبنان، هو أن الناس يخافون من الجوع أكثر من الفيروس التاجي. في بعض الأحيان تندلع مشاهد عنيفة. قتل رجل بالرصاص في جنوب فنزويلا خلال احتجاج على ارتفاع أسعار المواد الغذائية. يتم نهب محلات السوبر ماركت، وتخريب الشركات. يصرخ الناس بأنه لم يعد لديهم شيء يأكلونه بسبب الحجر المنزلي وأزمة الفيروس التاجي.
يقول برونو بارمينتييه: “بالنسبة للجزء الأكبر، فإن هذا القمح، هذا الأرز الأجنبي، يغذي 1.4 مليار شخص في الأحياء الفقيرة (bidonvilles)، حيث يسود الاقتصاد غير النظامي (l’économie informelle). إذا لم يتمكنوا من الخروج كل يوم لكسب القليل من المال، فإن كل شيء سيتجمد. ليس لديهم احتياطيات، ولا حساب مصرفي، ولا حكومة تدفع الأجور التي لا تستطيع الشركة دفعها. بالإضافة إلى ذلك، إذا لم تعد الشاحنات تدخل الأحياء الفقيرة، فقد يتدهور الوضع بسرعة كبيرة”.
خاصة وأننا لم ننتظر الربيع التونسي لعام 2011 لنعرف أن سعر القمح يمكن أن يؤدي إلى أعمال شغب.
“منذ الثورة الفرنسية، نعلم أنه عندما لا تجد ضواحي العواصم ما تأكل، يمكن أن تكون هناك ثورات. إن ثوران بركان في أيسلندا عام 1787 جعل المحاصيل الزراعية بعد ذلك سيئة للغاية في أوروبا. لذلك كان سعر القمح في باريس عام 1789 أعلى مرتين من السعر العادي. عندما ذهب الثوار للبحث عن الملك في فرساي، لم يقولوا أنهم ذاهبون للبحث عن “الخباز والخبازة والخباز الصغير”؟ »برونو بارمينتييه
فرنسا
هذا هو المكان الذي يجب أن ننظر إليه من جانب فرنسا. ذلك أنه في نفس الوقت الذي ظهرت فيه تقارير برنامج الغذاء العالمي ومنظمة أوكسفام، تَعلّمْنا أن الجوع في بعض الأحياء عامل تهديد. هذا صحيح في مايوت (Mayotte)، وهي أيضًا في سين سان دونيس. أبلغت لوكانار أونشيني الأسبوع الماضي عبر رسالة بريد إلكتروني أرسلها جورج فرانسوا لوكلير، محافظ سين سان دينيس، إلى نظيره ميشيل كادوت، حاكم منطقة إيل دو فرانس. قالت هذه الرسالة الإلكترونية، “أنا أخشى أعمال الشغب بسبب الجوع. لدينا ما بين 15000 و 20000 شخصا سيجدون صعوبة في الحصول على الطعام بين الأحياء الفقيرة وإقامة الطوارئ ومنازل العمال المهاجرين “.
النائبة عن حزب فرنسا الأبية (FI) كليمونتين أوتان، أكدت في تصريحاتها لفرانس دو، في 21 أبريل، أن “طوابير الانتظار للحصول على قفف الطعام تتزايد باستمرار”، وأن العائلات غالبًا ما تضطر إلى شراء المزيد من المنتجات” بينما المطاعم المدرسية تم إغلاقها نهاية مارس تزامنا مع إغلاق المدارس. “لديك أناس جائعون اليوم”، هكذا صرحت.
فيفيان، من سكان ستينز، قالت في شهادتها في فرانس بلو: “يوجد في ثلاجتي ماء وعصير برتقال ويايورت”.
وبرونو بارمينتييه يدفعنا إلى التذكير أن المقارنة ليست صحيحة: “على الصعيد العالمي، هناك طفل يموت من الجوع كل عشر ثوان. هذا لا يحدث في فرنسا، بفضل الضمان الاجتماعي وإعانات البطالة، وكملاذ أخير، أماكن الحساء العمومي”.
المقارنة ليست صحيحة، لكن خمسة ملايين فرنسي ذهبوا مرة واحدة على الأقل في 2018، إلى مرافق مثل (Restos du Coeur)، وهو ليس شيئًا هينا. ووفقًا لأنطونيو رودريغيز، المسؤول عن( Restos du Coeur) ، “زاد عدد الأشخاص الذين يتم استقبالهم في مراكز التوزيع المختلفة بالقسم بنسبة 20٪ في المتوسط منذ بدء الحجر المنزلي”.
بالإضافة إلى ذلك، تعاني هياكل المعونة الغذائية من صعوبات غير مسبوقة في الإمدادات.
يقول برونو بارمينتييه: “يعتمد النسق، إلى حد كبير، على رسكلة المخلفات الناجمة عن التوزيع الهائل وعن المطاعم”. لذلك من الصعب الحصول على التموين، كلما تزايد عدد الأفواه الباحثة عن الطعام. ”
ما الذي يمكن أن نتعلمه من هذه الاعتبارات، عالميًا وفي فرنسا؟
فيما يتعلق بالعالم، فإن توقعات حصاد 2020 تبدو جيدة جدًا، لذلك “عادةً، وإذا لم يفقد برودة دمه، فسيكون هناك ما يكفي لإطعام البشرية”، كما وعد محاورنا، متفائلًا بحزم.
فيما يتعلق بفرنسا، إلى جانب الجمعيات التي ضاعفت الإجراءات، أعلنت الحكومة أنها ستفتح 39 مليون يورو إضافية للمعونات الغذائية لأكثر الناس تواضعا، وأنها ستدفع في 15 مايو “مساعدات 150 يورو لكل أسرة تتلقى معوزة.