اللغة بين الأيديولوجيا والبراغماتيا
في كلمة وزيرة الثقافة الجزائرية، بمناسبة اعتراف اليونيسكو بالكسكسي تراثا مغاربيا لاماديا، وردت عبارة خلّفت موجة من الانتقادات. لقد قالت في سياق حديثها عن هذه الأكلة الشعبية أن المرأة (في الماضي)، المرأة التي لم تكن تحسن صناعة الكسكسي كانت تمثل تهديدا لعائلتها. هذه العبارة أثارت جدلا واسعا، الأمر الذي حمل الوزيرة على القول أن الجملة تم فهمها في غير سياقها أي أن المتلقى اكتفى بالبعد الدلالي/السيمانطيقي وأغفل بعدها البراغماتي. ومع ذلك فإن هذا التوضيح لم يشفع للوزيرة، حيث كان بإمكانها أن تعبر بشكل أكثر براغماتية وإيجابية لو مالت إلى الثناء على المرأة التي تحسن صناعة الكسكسي في ذلك الزمن كونها ساهمت في خدمة عائلتها بدل اتهام المرأة الجاهلة. فمن غير المعقول أن تكون المرأة مصدر تهديد لعائلتها فقط لأنها لا تعرف صناعة الكسكسي.
اللغة (langage) هي “ملكة سيكو-فيزيولوجية”، وهي القدرة الحصرية لدى البشر على التواصل بالكلمات، هي نسق مجرد يتضمن معرفة معنى الكلمات والقدرة على تنظيم هذه الكلمات في جمل. الجمل تتراكب وتترابط نسقيا في المحادثة من أجل التعبير عن الأفكار، والأحداث، ولوصف الأشياء والناس…. اللغة البشرية تتحقق في لسان (langue) من الألسنة (اللسان العربي على سبيل المثال، الفرنسي، الأمازيغي..). كل لسان له قواعده النحوية الخاصة به. كثير من الحيوانات لديها لغة (langage)، ولكن ليس لها لسان (langue).
ويحذر هوبز من “شطط الكلمات” ومن الاختلال الذي يعتري منتوجنا اللساني، ويحصر الاختلال فيما يلي:
أولا: حين يسجل البشر أفكارهم بصورة خاطئة بسبب التباس الدلالات في كلماتهم؛
ثانيا: حين يستخدمون الكلمات استخداما استعاريا،
ثالثا: حين يعلنون بالكلمات عمّا ليس بإرادتهم وكأنه كذلك؛
رابعا: حين يستخدمونها ليؤذي بعضهم بعضا.
يمكن القول أن جودة الواقع من جودة التواصل بين الأفراد والجماعات، وأن أي اختلال يعتري التواصل يؤدي إلى اختلال الواقع في مجالاته المتعددة ولاسيما المجال الاجتماعي والسياسي. وكلما كان التواصل أكثر تحررا من الأيديولوجيا وأكثر براغماتية كان التفاهم بين الأطراف ممكنا، وكان الهدف من التواصل أكثر قابلية في التحقق الإيجابي.