كرونيك

الكلاش الفقهي نحو المدرسة

يكتفي الفقهاء الحقيقيون بهيبة اللحية وإشعاع الجلابة.

لا يحبذ معظم الفقهاء فكرة مجاراة الطوندونس والموضة، ولا يتخلون عن لغتهم العريقة والمبهمة، ليجربوا “نباهة” لغة الشباب و”بلاغتها” الفائقة حين تستعمل للرد القاتل الجامع المانع.

يسمي الشباب قدرتهم هاته: “الكلاش”.

“الكلاش” هو أصلا في لغة موسيقى الراب.

الفقه شيء، والراب شيء آخر.

أُجزم أن شخصا ما حين يحتار في الاختيار بين لغة الفقهاء ولغة “الكلاش”، ثم يقرر أن يخلط بينهما، يصبح، قطعا، مسخا مزدوجا: فقيه مغشوش ورابور فاشل.

“الكلاش” الفقهي لا يعتد به، ولكن قد يكون شجرة تخفي غابة حقد كثيف.

لا شك عندي ان أي لحية كثة تدلت على وجه يخفي عقلا صغيرا مملوءا بمعارف دينية “محدودة”، إلا وراودت صاحبها وأغرته في تقمص دور الفقيه الفذ النحرير، وما الى ذلك من أوصاف قد تضيف القدسية والوثوقية في شرح وتبيان النوازل، بل وفي إصدار الآراء والفتاوي.

انتشر منذ مدة طويلة صنف خاص من  الملتحين، يحترفون البيع و المطعمة  بالتجوال و يبثون آراءهم و صورهم الغريبة على مواقع التواصل.

هكذا، ما إن يقضم الزبون طرفا من سندويتش رخيص الثمن، حتى يمطره الطباخ الملتحي بدرس جاهز حول فساد المجتمع وغياب الأخلاق و انتشار الرذيلة.

بالطبع، الطعم الحار للفلفل والانشغال المفهوم بمضغ ما تيسر ،لا يترك للزبون الجائع من خيار سوى أن يهز رأسه من فوق لتحت، معلنا اقتناعه بما يسمع.

إنها ماكينة للحقد ضد المجتمع تشتغل في خفاء وهدوء وتجيش الشباب في اتجاه مواقف قد تصبح متطرفة وخطيرة.

ارتقى بعض من هؤلاء: ربع فقيه، ربع تاجر ونصف شاب “قافز، إلى مرتبة “مؤثر” على المواقع.

يمنح الأنترنيت فرصة أكبر للانتشار السريع.

خلطة الدين و”الكلاش” والنكت الحامضة تضمن جمهورا عريضا من الجهلة ومن كسلاء الفكر.

فقيه “الكلاش” يملك ذكاء الجبناء، فلا يتطاول على من يهاب جانبه من أجهزة الدولة وأذرعها القوية. سيكون الرد صاعقا وجادا. يختار أن يهاجم المدرسة.

نعم، المدرسة.

كتب المدعو بن عبد السلام أن المدرسة عاهرة، وأنها مجرد مشتل للفساد والرذيلة والانحلال الخلقي.

عبد السلام صاحب لحية، ونكتة لا تليق بمقام فقيه ولغة مبتذلة “قافزة”، يفتي في المدرسة.

بين قرمشة معقودة وفتاوى صاحبها الملتحي ونهيق فقهاء “الكلاش”، تتسلل أصولية متطرفة لا تتعب من محاولات النيل من قيم الحداثة وقيم الإنسانية المتسامحة والعقلانية.

فتاوى الحمقى تحريض على العنف ضد المدرسة، وضد المجتمع بأكمله.

“إن أقصر السبل إلى حل المشاكل هو المواجهة والوضوح وقد تكون المواجهة قاسية لكنها أرحم من الهروب وقد يكون الوضوح مؤلماً لكنه أقل ضرراً من التجاهل.” فرج فودة، كاتب (1945-1992).

هذا الرد ليس “كلاشا” وأي تشابه في الأسلوب هو مجرد صدفة.

لن نسمح لأحد باغتيال المدرسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock