الفايد الذي يضر ولا يفيد
تستأثر فيديوهات الفايد بجدال واسع في مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد لمزاعمه القدرة على علاج الأمراض المزمنة وكذا المصابين بوباء كوفيد19، وبين منتقد لهذه المزاعم .وما يزيد من تأجيج الانتقادات هو تحصّن الفايد خلف الدين واستعماله سلطة المقدس في التمويه على أخطائه العلمية التي لا يرتكبها باحث مبتدئ يتلمس تطبيق المنهج العلمي في العلوم الحقة .ويثبت الفايد مرة أخرى، أن توظيف الدين في الدفاع عن أطروحات علمية يضر بالدين والعلم معا لأنه يقحم النسبي في المطلق ويخلط بين الحقول المعرفية ومنهجيات البحث. بل الأخطر في هذا الخلط والتلفيق هو تحميل المقدس/الدين أخطاء العلم التي هي أخطاء من صميم البحث العلمي وجزء من الحقيقة العلمية التي تتميز بالنسبية وتجاوز الأخطاء بتصحيحها. ويظهر أن غاية الفايد من الاختباء وراء الدين هي التستر على أخطائه العلمية القاتلة والنتائج التي يدعي الوصول إليها دون الحصول على مصادقة مختبارات ومعاهد علمية عالمية أو تجارب سريرية. ولعل إثبات الأخطاء العلمية في مزاعم الفايد لا تحتاج من المرء أن يكون متخصصا في حقل علمي دقيق ، بل تكفي نقرة واحدة في محرك غوغل للتأكد من صحة أو خطأ المعلومة المطلوبة. وكما يقول المثل الشعبي المغربي ( لي ماشي خرّاز يتبع الغرْازي). من هذا المنطلق حاولت تتبع أخطاء الفايد التي يغلفها بالعلم لخدمة استراتيجية الأسلمة بوجهيها الإخواني والسلفي الوهابي وتمكينهما من المجتمع المغربي تفكيرا وعقيدة، فتبين أنه لا يخدم أهداف العلم بقدر ما يخرّب العقل والوجدان فيجعلهما ضحية التضليل الممنهج الذي يعطل النقد والشك والتحليل والتدبر . وهذه بعض الأخطاء العلمية التي روج لها الفايد وأسس عليها شهرته بين المغرر بهم:
1/ زعم الفايد ، في تحدّ للعلماء ،أن حليب الإبل دون غيره من الكائنات يحتوي على فيتامين س c . وكان غرضه هو التأسيس لأهمية كل إفرازات الإبل ( روث، حليب، بول) ، ومن ثم إثبات نجاعتها في علاج الأمراض حتى التي يعجز الطب الحديث عن إيجاد علاج لها. طبعا لا يشك أحد في أهمية وغِنى حليب الإبل بمكوناته الغذائية ،لكنه ليس الوحيد بهذه الأهمية . إذ يحتل حليب الحمير مرتبة أعلى وأهم من مرتبة حليب الإبل من حيث الجودة والغنى والسعر.
فقد كشف الموقع الطبي الأميركي “Top10Homeremedies”، عن مجموعة من المعلومات التي وصفها بالمثيرة حول فوائد لبن الحمير، من بينها أن حليب الأتان “يحتوي على كميات كبيرة من فيتامين B، B12، C، وأنه يحتوي على فيتامين C أكثر من لبن الأم بمعدل 60 مرة. ما يهم هنا هو أن لبن الإبل ليس الوحيد الذي يحتوي على فيتامينC ، ومن ثم فالمعلومة التي أوردها الفايد وحاجج بها هي معلومة خاطئة. الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول مصداقية الشواهد العلمية التي يؤثث بها سيرته الذاتية. أكيد هو يعرف أنه كاذب وليس خاطئا في هذه المعلومة خدمة للإيديولوجية المذهبية الوهابية التي تجعل التحكم في وجدان وتفكير المسلمين أسمى غاياتها.
2 / قال العشاب الفايد إن بول الإبل مفيد لأمراض الكبد وأنه مثل العصير الطاجز. طبعا لم ينشر الفايد بحوثا علمية أو يجر اختبارات سريرية تؤكد علمية ما يزعمه . فجميع أطباء الجهاز الهضمي يجمعون على خطورة بول الإبل ويحذرون منه لأن به سموما كثيرة، وأن نسبة البولينا ــ وهى مادة سامة يتخلص منها الجسم في البول ــ وتصل إلى 10 آلاف مليجرام في اللتر ، وهي نسبة عالية كافية للإصابة بالفشل الكلوي لمن يتناولها . ويحتوي بول الإبل كذلك على سموم أخرى ونسبة عالية من الصوديوم تجعل مرضى الاستسقاء يتطورون للأسوأ إذا تناولوه .
وفي رد الدكتور محمد عادل، أخصائي الجراحة العامة بمستشفى التأمين الصحي بالإسماعيلية في مصر، على أكاذيب الشفاء ببول الإبل في الأمراض السرطانية والكبدية والمعدة قال: “الزئبق والبولينا والرصاص مواد سامة، بل شديدة السمية، ولو تناولها الإنسان لزادت الخلايا السرطانية عنده”.
فالفايد تجاهل تعليمات الأطباء وفتوى المجمع الفقهي وشرّع لنفسه الإفتاء بوجوب الصيام على الجميع بحجة أن “الصوم جُنّة” كما ورد في الحديث الشريف. وهنا تظهر الخلفية الوهابية المتمثلة في القراءة الحرفية للنصوص الدينية ؛ علما أن الله تعالى رخّص لحالات كثيرة بالإفطار في رمضان . بهذه الفتاوى يكون الفايد يمارس القتل العمد في حق المواطنين.
وقال ساخرا من الحديث عن الكرياتين الموجود في بول الإبل: “بول الإنسان يحتوى على الكرياتين وخالٍ من الرصاص، بول مريض السكر يحتوى على الجلوكوز، وبحسب هذه النظرية نلجأ لبول الإنسان أقرب”.
من ناحية أخرى فإن الدراسات الجديدة التي نشرت تقول بأن البعير في السعودية أصبحت تعتبر الخزان الحيوي للنوع الجديد من الإصابات الفيروسية (إنفلونزا السعودية – بعد أنفلونزا الخنازير والطيور)، وقد تم تأكد عشرات الوفيات نصفهم من السعودية. وقد أصدرت منظمة الصحة العالمية (WHO) تحذيراً صريحاً بهذا الخصوص تجاهلته السلطات الخليجية بشكل كامل.
3 / أصر الفايد ولا زال يصر على تحريض مرضى السكري والقصور الكلوي على صيام رمضان دون الاكتراث لنصائح وتحذيرات الأطباء الاختصاصيين من خطورة الصيام على صحة وحياة المرضى خاصة المتقدمون في المرض. والخطير في الأمر أن الفايد أقرب ما يكون إلى العشاب وابعد ما يكون عن الطبيب ، ورغم ذلك يقحم نفسه فيما ليس له فيه علم ودراية . بل يتجاهل حتى قرار مجمع الفقه الإسلامي في الصيام بالنسبة لمرضى السكري الذي صدر في أبريل 2009، والذي يلزم ذوي الاحتمالات الكبيرة للإصابة بمضاعفات الصيام بالإفطار ؛ كما شدد على أن “الفقهاء والدعاة مطالبون بإرشاد المرضى الذين يتوجهون إليهم طالبين الرأي الشرعي، بضرورة استشارة أطبائهم المعالجين الذين يتفهمون الصيام بأبعاده الطبية والدينية”.
فالفايد تجاهل تعليمات الأطباء وفتوى المجمع الفقهي وشرّع لنفسه الإفتاء بوجوب الصيام على الجميع بحجة أن “الصوم جُنّة” كما ورد في الحديث الشريف. وهنا تظهر الخلفية الوهابية المتمثلة في القراءة الحرفية للنصوص الدينية ؛ علما أن الله تعالى رخّص لحالات كثيرة بالإفطار في رمضان . بهذه الفتاوى يكون الفايد يمارس القتل العمد في حق المواطنين.
لهذا يكون من الواجب على الدولة متابعته بتهم كثيرة منها تعريض حياة الناس للخطر وانتحال صفة الطبيب المختص. كما يكون على الدولة إحداث هيئة عليا على النحو الذي في الإعلام السمعي البصري أو الإفتاء أو الانتخابات أو للوقاية من الرشوة .. تراقب ما ينشره العشابون والرقاة ومنتحلو مهنة التطبيب حماية للأرواح والسلامة الجسدية للمواطنين. إذ لا فرق بين فتح عيادة طبية وبين فتح موقع الكتروني أو قناة على اليوتوب يمارس من خلالها التطبيب دون ترخيص. على الدولة أن تحرص على توفير الأمن الصحي كحرصها على توفير الأمن الروحي خصوصا في هذه الفترة الحرجة التي تواجه فيها بلادنا وباء كورونا وقد عبأت كل إمكانياتها لهذه الغاية، الأمر الذي يُعد ما ينشره الفايد من كونه يملك علاجا للوباء تشويشا على جهود الدولة .