الغــرب (الديمقراطي) وسياسة الكيل بمكيالين
لماذا تنتهك العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا القانون الدولي بينما الضربات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وممارسة الفصل العنصري في القدس لا تنتهك القانون الدولي؟
عبد الإله شفيشو / فاس
لماذا فرض الغرب (الديمقراطي) عقوبات شاملة على روسيا حتى القطط والكلاب الروسية لم تنجو منها بينما لم يعاقب يوما إسرائيل؟ هل الدم الفلسطيني من نظر الغرب(الديمقراطي)من الدرجة الثانية والإنسانية تصنف وفقا للعرق واللون؟
لا شك بأن سياسة الكيل بمكيالين أو ازدواجية المعايير التي ينهجها الغرب (الديمقراطي) تجاه القضايا العربية عامة والقضية الفلسطينية خاصة لا تحتاج إلى براهين جديدة فهذه السياسة لها تاريخ طويل من المواقف العدوانية والعنصرية والشوفينية وغير الإنسانية والتي تهدف إلى تحقيق مصالح طبقة رأس المال العالمي والصهيوني في فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط بل وغرب آسيا، جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتضع العالم أجمع على صفيح ساخن وأصبح الغرب (الديمقراطي) يتغنى بالإنسانية ويطالب بإنقاذ الأبرياء فلا حديث إلا عن الحرب الدائرة في الأراضي الأوكرانية والمعاناة التي يعيشها الشعب الأوكراني ولأن الإنسانية تأتي قبل أي شيء تسابق الغرب(الديمقراطي) لإبداء تعاطفه ودعمه المادي قبل السياسي حيث فرض عقوبات واسعة النطاق على روسيا وتزويد أوكرانيا بالسلاح والعتاد.
كل شعوب العالم تدين وتستنكر احتلال أو غزو أي بلد في العالم وأن غزو دولة عسكريا لبلد آخر يعد احتلالا واستعمارا بغض النظر عن الدين أو القومية فالأصل في الأشياء عدم استخدام القوة المسلحة لغزو بلد ولهذا فالغزو العسكري هو احتلال عسكري في كل الأحوال، ولقد انخدع العالم بالغرب(الديمقراطي) بشعاراتهم الكاذبة وإنسانيتهم الزائفة وتبين أن مصالحهم أهم من مبادئهم وديمقراطيتهم حيث فضحتهم الحرب في أوكرانيا وكشفتهم على حقيقتهم حيث فجأة أصبح هناك حديث عن احتلال وقتلى من المدنيين وكذلك ممرات آمنة لخروج اللاجئين وصارت الأمم المتحدة تتحدث عن قرارات لإدانة هذا العدوان وقتل المدنيين وعن حق الشعوب في مقاومة الاحتلال بل فإن دول أوروبا وأميركا تتسابق بشكل علني لإرسال صواريخ لأوكرانيا لمقاومة (المحتل الغاشم) في حين يحاصر العالم فلسطين و يجوع شعب غزة لأن فيها مقاومة مسلحة للمحتل الإسرائيلي.
من سخريات القدر أن كيان غاصب ومحتل لفلسطين يستنكر ويدين بكل صلافة احتلال بلد آخر ولا أذكر بالتحديد إذ انسحبت إسرائيل ورفضت اللعب مع المنتخب الروسي معللة بذلك أن روسيا احتلت أراضي أوكرانية وأن ذلك مخالف لقيمها وتم هذا وسط ترحيب وتصفيق من قبل الفيفا والمجتمع الدولي ولكن عندما انسحب الملاكم الجزائري “فتحي نورين” لرفضه اللعب مع إسرائيلي قامت القيامة وتمت معاقبته واقصاءه من اللعب في المسابقات الأولمبية بدعوى أن الرياضة لا علاقة لها نهائيا بالسياسة، بالمناسبة سأنقل للقارئ النص الحرفي للمذيع الصيني “لي قونج” في 23 مارس الماضي عبر قناة شبكة تلفزيون الصين الدولية “CGTN” من حديثه عن فلسطين:(لماذا العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا تنتهك القانون الدولي، بينما الضربات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وممارسة الفصل العنصري في القدس، لا تنتهك القانون الدولي؟ لماذا فرضت أمريكا وأوروبا عقوبات شاملة على روسيا، حتى القطط والكلاب الروسية لم تنجُ منها، بينما أمريكا وأوروبا لم تعاقب يومًا إسرائيل؟ هل في نظر الغربيين أن الدم الفلسطيني من الدرجة الثانية، والإنسانية تُصنّف وفقًا للعرق واللون؟ وسيتوقف الاتحاد الأوروبي عن استيراد الغاز الطبيعي من روسيا لأنها احتلت أجزاء من أوكرانيا، لكنه سيبدأ في استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل لأنها احتلت كل فلسطين).
إن عنصرية الغرب(الديمقراطي) وتصنيفه للإنسان وفقا للون والعرق والدين كان من أقبح ما كشفته الحرب الروسية الأوكرانية عن طبيعة المجتمع الغربي فهذه العقلية وهذا التصنيف يحطم كل المقاييس التي لطالما تغنى بها الغرب وتستر خلفها بالدفاع عن قضايا الشعوب والديمقراطية والقيم الإنسانية، إن الادعاء بتبني الغرب لهذه القيم والمبادئ يسقط زيفه عندما يتم تجاهله من قبل النظام العالمي ومنظومة مبادئ حقوق الإنسان التي يشهرها الغرب دائما بوجه الأنظمة المناوئة له أو التي يرغب في تركيعها وتحديدا في منطقتنا العربية هذه السياسة والعقلية العنصرية لها تداعيات خطيرة على المجتمعات الغربية نفسها فغالبا ما ترتد عليها في حالات الانهزام والتراجع، صحيح أن الكيل بمكيالين مرفوض أخلاقيا وسياسيا ولكن يجب أن يكون حافز للعالم العربي لإعادة ترتيب أولوياته فأي ضمير وأية مصداقية بقيت للعالم الغربي(الديمقراطي) وهو يكيل بمكيالين فيدين العدوان على الأوكرانيين ويغض الطرف عن العدوان على الفلسطينيين، وقبل فوات الأوان على الغرب(الديمقراطي)أن يتوقف عن انتهاج سياسة الكيل بمكيالين!.