العيد الأبيض
و"في هذا اليوم يبادر جميع سكان الولايات والممالك الذين يملكون الأراضي أو حقوق الاختصاص الإدارية أو القضائية تحت ولاية الخان الأعظم، بإرسال الهدايا الثمينة من الذهب والفضة والأحجار الكريمة، ومعها قطع كثيرة من القماش الأبيض
وديع بكيطة
تختلف تواريخ الشعوب وأعيادها باختلاف الجغرافيات المكانية والذهنية، بحيث كان التتار يؤرخون لبداية السنة بأول فبراير، ولهذه المناسبة جرت عادة الخان (الملك)، وكذا كل رعاياه، بمختلف البلاد، أن يرتدوا البياض، الذي هو حسب معتقداتهم علامة الحظ السعيد، كما أنهم يرتدون هذا اللون عند بداية السنة، على أمل أنه على طول مدى تلك السنة، لا يحدث لهم إلا كل ما هو سعيد وأن يحظوا بالمسيرة والراحة.
و”في هذا اليوم يبادر جميع سكان الولايات والممالك الذين يملكون الأراضي أو حقوق الاختصاص الإدارية أو القضائية تحت ولاية الخان الأعظم، بإرسال الهدايا الثمينة من الذهب والفضة والأحجار الكريمة، ومعها قطع كثيرة من القماش الأبيض، التي يضيفونها إلى الهدايا، بنية أن يحظى جلالته على طول السنة بأكملها بسعادة لا تنقطع، وأن يملك من الكنوز ما يكفي لنفقاته كلها، وبنفس هذه النظرة يتبادل النبلاء والأمراء وجميع مراتب المجتمع هدايا مماثلة من مواد بيضاء بمنازلهم، حيث يجمعون بين مظاهر الفرح والابتهاج والعيد ويقولون، “نرجو أيها الخان الأعظم أن يلازمك الحظ السعيد طوال السنة المقبلة، وأن ينجح كل ما تقوم به من أعمال حسبما تتمنى”، وفي هذه المناسبة تهدى إليه أعداد كبيرة من الخيول البيضاء، فإن لم تكن تامة البياض، فإنه يكون على الأقل هو اللون السائد فيها والخيول البيضاء شائعة بهذه البلاد.
وفوق هذه جرت العادة في تقديم الهدايا إلى الخان الأعظم… وفي صباح الاحتفال، وقبل مد المناضد، يدخل القاعة الكبرى أمام الامبراطور، جميع الأمراء والنبلاء على اختلاف مراتبهم… فإذا حل كل امرئ في المكان المخصص له، ينهض شخص ذو مكانة عالية، أو كما قد نقول، مطران عظيم، ويقول بصوت عالٍ: “انحنوا وقدموا التبجيل”، فينحني الجميع توا حتى تلمس جباههم الأرض، وللمرة الثانية يصيح المطران: “ليبارك الله مولانا وليحفظه طويلا مستمتعا بالسعادة!” فيجيبه الناس قائلين: “اللهم استجب!” ويعود المطران فيقول مرة أخرى: “فليزد الله إمبراطورتيه عظمة ورفاهية، وليحفظ كل من هم له رعايا في بركات السلام والرضا، وليعم الخير الوفير كل أراضيه!”، فيجب الناس ثانية: “اللهم استجب!”… وعندئذ ينطرحون على الأرض سجدا أربع مرات… وفي هذه المناسبة يقاد أسد إلى حضرة جلالته، هو من بالغ الاستئناس بحيث يصبح مدربا على أن يرقد عند قدميه، ومتى تمت هذه الألعاب انصرف كل إلى وطنه”. (رحلات ماركو بُولو، الجزء الثاني، ص 49-51).