مدارات

العلاقات المغربية-الإسبانية: تزكية ملكية لعهد جديد ونفس جديد لعلاقات استراتيجية متينة

لقد شكلت الثقة الملكية السامية حافزا قويا في المساهمة في إشعاع المغرب وتحصين مكتسباته السياسية والاقتصادية، والأمنية على عدة مستويات، شكلت فيها قضية الصحراء المغربية، أولى الأولويات في اهتمامات السياسة الملكية، حيث ظلت هذه الأخيرة، تضطلع بأدوار مهمة في تدبير قضية الصحراء، وتبرز أهميتها الإستراتيجية، سواء على المستوى الوطني أو الدولي، مؤمنة بعدالة قضيتها وقناعة راسخة مبنية على الشرعية التاريخية والقانونية.

وفي هذا الإطار استطاع جلالة الملك محمد السادس أن يعيد ضبط مخرجات الحل في الملف عبر طرح مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي وسلمي والأكثر ملائمة لحل قضية الصحراء، ضمن معها جلالته وبشكل جدري تغيير الأوضاع على كافة الأوجه الدبلوماسية لحل قضية الصحراء. كما تعامل جلالته بكل إيجابية مع أزمات الملف وبعض التحفظات التي أبانت عليها بعض الدول إزاء وحدة المغرب وسيادته الترابية والتي تعامل معها جلالته بكل حكمة عبر تنويع شركائه ورسم خريطة جديدة لعلاقاته. توجه خلخل أوراق المنظومة العلائقية مع شركائه التقليديين ودفعت بهم إلى إعادة ترتيب أوراقهم الإستراتيجية في محاولة لكسب المغرب كحليف يعتمد عليه، وهي مسألة يمكن استقرائها من كم التراكمات والتحولات الإستراتيجية الفعلية التي جعلت المغرب في موقف قوة وثبات إزاء سيادته الوطنية. على اعتبار أن المغرب أصبح يحظى بدور ريادي وقيادي في إفريقيا وأصبحت مواقف المغرب في قضايا متعددة تحظى بشبه إجماع، وذلك بناء على مؤشرات ومعطيات مؤثرة تبين الدفعة القوية التي أعطاها الملك محمد السادس للدبلوماسية المغربية.

وتشهد العلاقات المغربية – الإسبانية في الآونة الأخيرة زخما كبيرا، بعد التغير الذي طرأ على موقف مدريد من ملف الصحراء المغربية وتأييدها لمقترح الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب كحل للصراع على الصحراء المغربية، لتدشن لمرحلة جديدة ومفصلية، تنهي معها الأزمة الدبلوماسية التي عمقت القطيعة بين البلدين وجمدتها لعدة أشهر، وتسدل الستار على الخلافات والقضايا العالقة، والبناء لأفق جديد مبني على التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة، ولعلاقة تقوم على الثقة والشفافية والوفاء بالالتزامات والاحترام المتبادل لضمان الاستقرار والوحدة الترابية للبلدين.

فالإستقبال الملكي لرئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز يأتي لتدشين مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين وإلى العمل على البناء والتأسيس لخارطة طريق طموحة من خلال الرسم لتفعيل أنشطة ملموسة تغطي جميع قطاعات الشراكة، وتشمل كل القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، المسألة التي عمقت من جهة من فشل الجزائر وصنيعتها والتي راهنت ومن خلال السنين الماضية وبكل الوسائل على التشويش على هذه العلاقة في سعي منها لإبقاء محور مدريد الرباط متأزما – حيث كان على رأس تلك الخلافات بالنسبة للمغرب إدخال زعيم بوليساريو، بأوراق مزورة للأراضي الإسبانية، والسلوك الغير واقعي والإنفعالي الذي اتخذته الجارة الإسبانية في كل مايخص قضية الوحدة  الوطنية.

وفي هذا الإطار يجب التسجيل بأن العلاقة التي بنى لها الطرفين اليوم، وبتزكية من القيادة الملكية الرصينة جددت الدماء بين البلدين كما أنها تتجاوب وتتفاعل مع الأسس التي يرغب المغرب في وضعها لتحديد وضبط علاقاته بين شركائه، بشكل مستدام، وتترجم بشكل كبير الطموح المشترك بين البلدين، وسعي اسبانيا لكسب المغرب كحليف استراتيجي، يحظى بحضور إقليمي ودولي مميز.

والأكيد بأن هذه الزيارة الموسومة بكل عبر البناء للعهد الجديد بين البلدين لتوثق وبشكل واضح لمدى جدية الخطوات التي سوف تكون عليها الشراكة المستقبلية بين البلدين سواء منها الالتزام المتبادل أو البعد الإستراتيجي لهذه العلاقة التي برزت أهميتها من خلال دفاع رئيس الحكومةَ الإسبانية عن خياره الواقعي بخصوص وجاهة مبادرة الحكم الذاتي أمام البرلمان الإسباني، في وعي منه بأهمية هذه العلاقة التي تأتي مسايرة للظروف الإقليمية والعالمية التي يعيشها العالم، كون الدول الأوروبية وعلى رأسها اسبانيا، وجدت نفسها معنية بالانفتاح على قوى دولية وكذا إقليمية صاعدة، وفي مقدمتها المغرب، الذي حقق نجاحا وإشعاعا يحسب لصالحه، خصوصا بعد الإعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحراءه، والتحول الكبير في مواقف العديد من الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وانكلترا والعديد من الشخصيات السياسة التي سطرت في مواقفها بأن الأمور عادت إلى نصابها بعد تعقيد معتمد عرفته القضية في وقت سابق ، وهي المسألة التي تأتي في وقت تصبح فيه المصالح هي سيدة المواقف السياسية والاستراتيجية، وعلى المغرب اليوم الإستفادة منها بأقصى الحدود لوضع حد نهائي وجدري لقضية الصحراء قبل تغيير هذه الظروف.

فالتزكية الملكية لهذا الواقع برز عبر الاستقبال الملكي لرئيس الحكومة الإسبانية، مرفوقا بلجنة رفيعة المستوى، رسخ من خلالها جلالته لواقع جديد، كما هو رسالة مضمونة ومشهود لها إقليميا ودوليا لإزالة كل ضبابية للعلاقات المغربية – الإسبانية التي أصبحت موسومة بالأهمية الاستراتيجية التي يمثلها البلدان بعضهما البعض، والتي يتوقع لها أن تعطي مدا إيجابيا للعديد من القضايا الثنائية، كما ستعزز الآفاق الجديدة والأدوار المؤثرة التي يجب أن يلعبها البلدان في الفضاء المتوسطي، في ظل الوضع الدولي الحساس، والذي يدلي بكل المؤشرات الأزماتية، وعلاقاتها بالأمن القومي والغذائي والطاقي والحدودي…وهي المسألة التي تتماشى واتفاقية مدريد، والتي تشمل التعاون في مجال مكافحة الجريمة، والاتجار بالمخدرات والبشر والهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى المعاملات المالية غير المشروعة، والجرائم في المجال الاقتصادي والمالي وغيرها من البنود المهمة للإتفاقية.

ولعل الحضور الوازن اليوم من طرف اسبانيا، ليعطي الدفعة القوية لأهمية استئناف العلاقات الديبلوماسية بين البلدين على جميع المستويات الاقتصادية منها والسياسية والأمنية والبيئية، كما أن هناك آفاق وفرص أخرى واسعة للإستكشاف، تهم البلدين، وهي المسألة التي تدلي بالقناعة المشتركة لمضاعفة التعاون الثنائي، كما تسطر من جهة أخرى على مصداقية وجدية ووضوح الموقف الإسباني من الصحراء المغربية، والتي عكستها مباشرة مختلف المؤسسات الرسمية الإسبانية، مسألة يمكن استجلائها من خلال مانشرته وزارة الخارجية الإسبانية عبر بوابتها الرسمية بنشر خارطة المغرب كاملة. وهو ما يعد ترسيخا للإعتراف الإسباني بمغربية الصحراء، وتحولا تاريخيا في مجريات تسوية ملف الوحدة الترابية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock