مدارات

العرب وإسرائيل

كتبت قبل أيام مقالا، سميته ” الاتفاق المغربي الإسرائيلي” نشرته صحيفة “أضواء ميديا” المغربية، ضمنته بعض الردود، على ما يروج له إعلاميا، وما ذهب إليه بعض المحللين وكتاب الرأي، من أن المغرب لجأ إلى هذا الاتفاق ليستقوي بإسرائيل على الجزائر، وبينت فيه خطل رأيهم، وسذاجة تحليلهم. وأنا الآن أنشئ هذا المقال، لأخرج بالنقاش عن العلاقة المغربية الإسرائيلية، ليشمل العلاقة العربية الإسرائيلية، وذلك أنني أتكلم بصفتي عربي مسلم ينتمي لهذه الأمة العربية المسلمة العريقة، وأنا لم أحمل القلم يوما إلا وهم هذه الأمة بين جنبي، ولم أسخر هذا الفكر إلا لخدمتها، ولم أتعبه إلا في النظر في سبيل رفعتها، والبحث في الطريق الموصل إلى نضارتها الأولى.

مرعلى احتلال فلسطين، واغتصاب أرضها، طور من الزمان وحين من الدهر، ولم نقدم لها ولشعبها شيئا، غير الخروج في مظاهرات، تحركها النرجسية الثورية، ورفع شعارات تلوكها الألسن المتلمضة، والتباهي بالخطب الرنانة، لتنطوي سنوات طوال، ويأت الله بفسحة من زمان، لنجد أنفسنا لم نقدم فيها أي شيء لهذه الدولة الفلسطينية ولا لشعبها. وقد كان حقيقا بنا أن نجلس يوما، وننظر في تاريخنا مع هذه القضية، حتى نرى ونقدر هل الطريق التي قطعناها والسبل التي سلكنها في نصرتها، انتهت بنا إلى ما نصبوا إليه، أم أننا فقط في أوهامنا سادرين، وفي نرجسيتنا تائهين، لا نسير على قصد، ولا نقتفي أثر هدى، نعم يا صاحبي، لقد كان جديرا بنا أن ننظر في هذه الطريق، نظرة الناقد الذي أتاه الله شيئا من جودة الفهم، وقسطا من حسن الإدراك، حتى يتبين لنا أنا تلكم الأساليب لم تقدم جديدا ولم تضف مزيدا، لفلسطين وأهلها، وأنها جعلت منها مجرد مسألة نزايد بها على بعضنا البعض. إن بعد هذه السنوات الطوال، من المشي في المظاهرات، وإقامة المليونيات، لم تنفع فلسطين، بل وأثبتت ضعفها وعدم نجاعتها، ولهذا فالصلح الذي حدث مؤخرا بين العرب وإسرائيل، إنما كان نتيجة فشل السير في الطريق القديم، وهذا الفشل يفرض علينا تغيير الطريق، والبحث عن خطة جديدة تكسبنا بعض النقاط، وتفتح لنا العديد من آفاق.

وقد إنتبه الملك الراحل الحسن الثاني، رحمه الله، لهذا قديما، وسعى لعقد الصلح بين مصر وإسرائيل، وكانت أول اللقاءات بينهما في مراكش، ويقول حسن أوريد عن هذه اللقاء، في مقال سماه “القضية الفلسطينية من منظور مغربي” نشره في مجلة الفيصل، أن تلك اللقاءات “ستفضي بعدها لزيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى إسرائيل سنة 1977، وإبرام اتفاقية كامب ديفيد سنة 1978، بوساطة من الملك الراحل الحسن الثاني”، ولكن لم يتم العمل في هذا الاتجاه.

ولعلك تسألني: هل الصلح هو الحل للقضية الفلسطينية، فأقول لك إن الصلح هو جزء من الحل، وليس هو وحده الحل، وذلك أن الحروب الآن أصبحت أكثر ضراوة وفعالية في الأروقة الديبلوماسية، وتلعب فيها الأسلحة الاقتصادية دورا كبيرا وحاسما، والصلح بصفة خاصة يمكنك من امتلاك بعض أساليب القوة ديبلوماسيا ظن حتى يصبح الطرف الآخر مستعدا لأي شيء مقابل الإبقاء على مصالحه، ما دمنا غير قادرين ونقف عاجزين عن المجابهة بالسلاح. الأمة العربية الآن تحتاج إلى نوعين من القوة، وهي تفتقدهما معا، فأما النوع الأول فهو القوة المادية، و المتمثلة في امتلاك الأسلحة وصناعتها، وإنشاء اقتصاد قوي، مما يتحقق معه الاستغناء عن الغرب، ولكن هذا الضرب من أضرب القوة لن يسمح لنا بامتلاكه أو امتلاك أسبابه، على الأقل في هذه المرحلة، والصلح يجب استغلاله لهذا الأمر، فنعطي فيه من المنافع على قدر ما نأخذ منها، ونستغل الآخر ما أمكننا، وعلى جميع المستويات، العسكرية والاقتصادية، فنتعلم منه كيفية امتلاك القوة المادية، ويصبح كل همه الحفاظ على مصالحه التي تجمعنا، كما يجب أن نكون معه على حذر، فلا نميل إليه كل الميل، وأن نضع في اعتبارنا أن كل شيء، وفي أي لحظة، قابل للتغير مادام زمن المصالح ليس زمنا دائما، وإنما هو زمن عابر. وعلى سبيل الموازاة، لا يجب أن نغفل القوة المنهجية، والتي تصنع عظماء الفكر وأرباب النظر، وتعطي إنسانا صالحا متزنا ما بين القلب والعقل، ولهذا وجب علينا أن ننظر في مناهج تعليمنا والإعلامية فنصلحها، ونربط الأنسال الآتية بأسلافها الماضية، ونحصن عقول النشء بجعلهم يمتلكون ملكة تقيهم السطوة التي غيمت على العقول، فأصبحت تفكر وفق مناهج تفكير هجينة، تجمع بين ثقافتين بينهما برزخ لا يبغيان، وهذا وحده يحتاج مقالا منفردا، أو أكثر، لأجل بسط الكلام فيه، ولعلنا نعود إليه بالبسط والبيان إن شاء الله. إن الأهم اليوم، هو تغيير طريقة عملنا، فما دمنا لم نقدم شيئا بالمظاهرات والهتافات، وما دمنا جنحنا إلى السلم، ونزعنا إلى الصلح، فإن الأهم هو أن نبحث في هذا الذي جنحنا ونزعنا إليه على مصالح الأمة، وأن نحفظ حقوقها، وأن يكون هذا كله وسيلة من الوسائل التي نصبوا من خلالها إلى تحقيق النصر.

ــــــــــــــــــــ

كاتب مغربي، باحث في العقائد، والمدارس الفكرية، والاستشراق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock