العبث الظاهر والباطن (قصة قصيرة)
جاءت من القرية للقاهرة لتعمل ممرضة، تسكن في حي شعبي، لذا لم تسلم من الأذى والتحرش النفسي والجسدي، الفقراء مباحون، تعود كل ليلة قبل الفجر مرتدية ملابس العمل لتثبت لأهل منطقتها بأنها لم تكن تعبث، هم يتقنون العبث ويحبونه ولا يفكرون سوي به، وبه فقط، لكنه عبث خفي وويل لمن أراد إظهاره،، بل ويل لها، فهي فقط من سوف تعاقَب إذا وشت بعبثها، أما العابثون الذكور فهنيئا لعبثهم وطوبي له ولهم،، يمسك رجا الشارع المسابح وترتدي حتي الفتيات الصغيرات الملابس الخانقة ليثبتوا للجميع أنهم لا يعبثون، هم لا يفعلون شيئا سوي التدين والنصائح الاخلاقية،،
-لماذا لا تغطي شعرك؟
-هي: ربنا يهديني أصل ضغطي بينخفض وربطة الطرحة غلط علي مرضى الضغط وده بحكم عملي كممرضة،،
أخذت تعتذر وتبرر عدم تغطية شعرها الخشن المجعد كلما قابلت جارتها او جارها،، تعتذر ليل نهار وتحاول أن تبريء نفسها من تهمة العبث،، حارتها المتدينة التي لا يفارق رأسها الطرحة ولا تحب العبث،، دقت باب جارتها لتستعير منها بعض الملح فلا وقت لديها لشراء طلبات منزلها بسبب الوردية المسائية ولا وقت للطهو ،، لمحت في مرآة الطرقة المجاورة للمطبخ رجلا عاريا فاجأه فتح الباب ويحاول الاختباء، جارتها أعطتها الملح في توتر وأغلقت مسرعة، الأولاد في المدرسة والزوج في العمل وحان وقت بعض العبث الخفي،،،
زوج جارتها حاول العبث معها ذات مرة، ولسخرية الأمر كان نفس الوقت تقريبا حيث يذهب الأولاد للمدرسة وتذهب أمهم لأمها، رفضت بالطبع وبدأت تزداد الأقاويل حولها ممن رفضت العبث معهم، للعبث قدسية هي تدركها، فالعلاقة بين الرجل والمرأة يجب أن تكون محترمة مهما كان نوعها، يجب أن يعلم بها الجميع فالجنس ليس بجريمة والحب ليس بخطيئة، هكذا فكرت، كان والدها متمرداً محباً للاطلاع ومنه ورثت كيف يكون لها موقف خاص وفكر مختلف،،طلبت من البقال لوح شكولاتة وبعض الاشياء الأخرى وطلبت منه توصيلها،، دخلت الحمام ،،ترك البقال الطلبات علي عتبة بابها ورحل،، خرجت الجارة لتجد لوح شكولاتة علي عتبة باب جارتها،، وفكرت: هل تلك الطلبات ثمناً لعبث ما؟ صورت بموبايلها صورة وأرسلتها لجاراتها، تلك الفتاة الغير محجبة خدعتنا جميعاً فهي عابثة عابثة عابثة، وتدافعت بعدها التحرشات والاتهامات من جميع سكان الشارع، كان عليها ترك المنطقة والسكن في منطقة أخرى، أكثر ما أدهشها في الأمر، هو صمت البقال، الذي ظل ينظر لوحوش الشارع وهي تنهشها مبتسماً.
ذات مرة رات أحد أطفال الشارع يدخل المحل، كانت تنظر من شرفتها في استحياء شبه مختبئة، فالاستمتاع ببعض نسمات الهواء المنعش عبث لا يجوز لفتاة وحيدة لا ترتدي غطاء للرأس وهي تنشر الغسيل، تأخر الطفل داخل محل البقالة وخرج باكياً، كان البقال المتدين ظاهراً يعبث به في الخفاء عبثاً لا يجوز ظاهراً أو باطناً مثله مثل تزويج طفلة في التاسعة..
جمعت ملابسها ومشت مبتعدة وقد تركت شعرها الخشن المجعد فوق ظهرها مثل عاصفة هوجاء غاضبة تدور لتكنس كل الوساخات والعفن، كحريق غابة اشتعل فجأة ليقدم النباتات المريضة والحيوانات التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها قرباناً لغابة جديدة،، وبداية جديدة.