الصحفي المأجور، من يغش..، ومن يفضل المدارس الخصوصية…، الآخر الغامض…، والآخر.. الآخر…!
تبدو مساءات المدينة جميلة وهادئة
لا شيء اطلاقا يوحي بصراعات الصباح المحمومة من أجل موقف للسيارة، أو صراخ باعة خضر وأشياء أخرى، احتلوا أزقة كاملة وحولوها إلى أسواق يتزاحم فيها المارة والمتبضعين مع القطط الضالة وحراس السيارات.
أما ساعة غروب الشمس، فتدق جرس نهاية يوم متعب.
تبدأ السكينة في نشر ظلالها على مجتمع وضعه الوباء أمام المرآة ليحاسب نفسه واختياراته وتاريخه.
يستعد الناس لتوديع اليوم والخلود إلى النوم.
مواضيع النقاش حول طاولات المقاهي تتشابه.
يدلي كل بدلوه حول موضوع الدخول المدرسي واستفحال الوباء وحوادث مختلفة ترويها الصحافة وصفحات التواصل الاجتماعي.
تتكرر الآراء والتعليقات وتتشابه.
المسؤول عن كل الاختلالات أخر لا وجود له بين المتناظرين.
هو من يحتل رقعة بالشارع العام ليبيع سمكاته ويترك وراءه النتانة والأزبال.
هو من لا يحترم إشارة المرور راجلا، ولا ممر الراجلين سائقا.
هو من يتهرب من أداء الضرائب المستحقة.
هو من يفضل المدارس الخصوصية ويجهز على بقايا منظومة تعليمية مهترئة.
هو الصحفي المأجور الذي ينصت لمصالحه ولرنين الفضة قبل أن يكتب، عوض أن ينصت لآلام الشعب وهمومه.
هو من يغش في الامتحان وفي وزن رغيف الخبز.
هو من يبني طرقا مغشوشة تتحول إلى قبور مفتوحة حين يسقط المطر.
أما الجالسون معا، داخل المنازل، في الساحات العامة أو على طاولات المقاهي، فقد أنهوا النهار كما تنهيه الملائكة والصالحين المعصومين: بلا خطأ أو زلة.
لم يشجعوا على احتلال الملك العام حين فضلوا أن يكونوا زبناء لتجار الفوضى والسلع المهربة والمجهولة المصدر.
لم يدفعوا ورقة نقدية خضراء أو زرقاء لقضاء غرض مستعجل لموظف فاسد.
لم يسمنوا باعة التفوق الدراسي الوهمي في الكاراجات والأقبية المظلمة تحت مسمى الدروس الخصوصية.
لم يتجولوا بين الناس بقناع يكشف أكثر مما يحمي، ناشرين الوباء مثل حامل البخور في حضرة صوفية.
لم يفعلوا أيا مما سبق أبدا.
الآخر الغامض الذي يستحق كل المسميات الساقطة وأبشع عبارات الشتم والاستنكار، كائن ينزل من مجرة مجاورة كل صباح ليفسد عليهم أخلاقهم وسلوكهم المثاليان.
الآخر المذنب لا وجود له في معمعة قضاء الحاجة والانتفاع الفردي. هو يظهر فقط عند النقاش والتحليل وإبداء الرأي.
ينتابتي دائما نوع من الدهشة الفكرية حين أنتبه أنني و أنت هم الآخرون، بكل بساطة.
حينها اكتسب اليقين أننا ننام الليلة استعدادا لتكرار أعطابنا غدا، لا غير.
دون أدنى أمل في التغيير.