كرونيك

الشعب أولا، الشعب أخيرا…!

صعب أن يقيس أحدهم حدود كلمة شعب، وأن يرسم ملامح المقصود بالكلمة بدقة كبيرة.

صعب أن تعرف ما يريد الشعب، ان كنت لا تعرف من هو الشعب حقا.

تشير الكلمة لكل الناس، ولا تشير إلى شخص بعينه.

بائع عصير البرتقال الذي يمر صباحا تحت نافذة بيتي، بعربته المتهالكة وبرتقالاته جميلة اللون وزكية العطر قد يكون هو الشعب.

الشعب إذن يلبس ثيابا متواضعة حد التلاشي، ويدخن بشره سيجارة رخيصة بينما يصيح بصوت مبحوح بحثا عن زبون محتمل.

في المساء، يركن عدة العمل بجانب مسكن متواضع في حي شعبي و يناقش السياسة والدين وربما الأدب والتاريخ مع أمثاله من الشعب.

الشعب يعيش في أحياء و قرى ومداشر تنتشر طولا وعرضا داخل الوطن.

الشعب موظفة تتقاضى راتبا تخجل دوما أن تبوح بمقداره حتى لأقرب معارفها، راتب يختفي في منتصف الشهر، مثل كمشة ملح سقطت في إناء ماء ،بينما لا يزال الأبناء في حاجة لرغيف العيش و لا زالت هي لم تدفع لصاحب الدكان، ولصاحب البيت الذي تكتري، ولصيدلية الحي.

هذه المرأة هي الشعب، كذلك.

تحت سماء الوطن، يعيش أيضا من لا يقبل أن يحشر مع الشعب، ويفر منه مثل فرار العاقل من الجذام و من الطاعون الأسود.

حين يسمح له دخله بركوب سيارة باذخ، والتمتع بسكن فاخر وبرصيد في البنك يتجاوز عدد  أرقامه ستة، وحين يخالط علية القوم حصرا، يصبح سهلا عليه أن يتنصل من الانتماء للشعب.

ثم عوض أن ينتصر للشعب، الذي قد يكون هو من يشتري سلعة تجارته المربحة، أو هو من يدفع له تعويضاته السمينة، وفواتير محروقاته وعشاءاته الفاخرة في مطاعم يسمع عنها أبناء الشعب ولا يصدقون أبدا أنها موجودة،عوض أن يشكره، ينشر أنصاف حقائق تبعد عنه وعن امثاله مسؤولية فقر الشعب.

الشعب لا يقرأ.

الشعب لا يفهم مخططات الدولة و نصائحها و قوانينها.

الشعب أولا، الشعب أخيرا.

البعض يختزل الشعب، كل الشعب، في أرقام ونسب؛هكذا تخبرنا مندوبية  الاحصاء بعدده وبمكان تواجده، ومن بينه يحمل شهادة ومن بينه لم يعرف أبدا طريق المدرسة و اكتفى هو وعشيرته الصغيرة بالرعي وتربية المواشي.

ماري انطوانيت أيضا لم تكن تعرف الشيء الكثير عن الشعب الفرنسي المقهور، الذي حاصر قصرها الفاخر وقادها إلى المقصلة، لتكف لسانها السليط عن نصائح بلهاء وجهتها له حتى يعدل عن  ثورته و يعود ادراجه كما جاء؛ فقيرا، مريضا ومقهورا.

من لا يملك الخبز، قطعا لا يملك الكعك يا ماري انطوانيت.

ماذا يريد الشعب؟

يريد الخبز ويحلم بالكعك.

“لا نحكم شعبا إلا بأن نريه المستقبل، القائد هو تاجر الأمل”، يقول نابليون بونابرت.

الشعب هو ابن الشعب بالوراثة.

هو الشاب الذي حصل من سنة أو أكثر على شهادة جامعية ولا زال يبحث عن عمل، بينما تبشره نشرات أخبار رتيبة كل ليلة بنهضة اقتصادية وشيكة، مستشهدة بمؤشر وزارة كذا ورؤية محلل الاقتصاد فلان.

المحللون يجعلون الغد يبدوا دائما أفضل للشعب، حين يتحدثون بينما ينصت هو بكل خشوع. المحللون في تلفزيونات الدولة هم “منار “الشعب الذي يجيب عن كل أسئلة الحرمان و اللامساواة و نقص الدواء و انتشار الداء بتفاؤل كبير و بثقة لا تنتهي في مستقبل أفضل.

رائحة الكعك تفوح من نشرات الأخبار و من برامج الحكومات المتتالية، و من كلام المحللين ،أما الكعك فيظل بعيدا،كلما تقدم نحوه الحالمون ،كلما تراجع كأنه سراب في الصحراء.

حسب السيد شكيب بنموسى رئيس اللجنة الخاصة للنموذج التنموي فإن التقرير الخاص بالنموذج التنموي المقترح يختلف عن التقارير الأخرى السابقة، فقد حاول التقرير الجديد إبراز إجراءات لكيفية تحقيق عدد من الأهداف بناءً على انتظارات المواطنين، عبر اقتراحات صالحة للتنفيذ وآليات لضمان لانخراط الجميع وضمان التتبع والتحفيز.

عودة لحديث الشعب والخبز و الكعك، يتطلب عجن الخبز و صنع الكعك مقادير مضبوطة من طحين وسكر وزبدة وخميرة.و لكن يتطلب قطعا خبازون مهرة و منتبهون لتفاصيل تنفيذ الوصفة، وإلا ففي كل مرة ستفوح  رائحة الحريق من الفرن، وسيضطر الخبازون للمحاولة مرات و مرات.

على الشعب أن يختار بعناية من سيتدبر أمر الخبز و الكعك بكل حرفية و بكل تفان.

هذه هي مسؤولية الشعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock