السودان: هروب البشير… من مع الإخوان: البرهان أم حميدتي؟
منذ سقوط نظام الإنقاذ الوطني ومن معه بواسطة الحراك الشعبي في السودان بما يسمي بثورة ديسمبر المجيدة ٢٠١٨ – ٢٠١٩م، تسلمت المؤسسة العسكرية زمام الأمور دفاعا عن الحركة الاسلامية السودانية وقاداتها وممتلكاتهم بواسطة قائد قوات المسلحة عبد الفتاح البرهان، بالرغم من أن بعض الأحزاب اليسارية نجحت في الضغط علي المؤسسة العسكرية ووضعت وثيقة دستورية
عمر موسى*
منذ أن اندلعت الحرب بين الجينرالين، البرهان وحميدتي، هناك تساؤلات من قبل الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي تتعلق بأسباب ودوافع ومبررات هذه الحرب؟
من الذي يربح هذه الحرب في ظل توازن القوي بين الطرفان ماديا ومعنويا؟
هذه الأسئلة شغلت الرأي العام المحلي والاجنبي، ولكن هناك اتفاق بالإجماع بأن هذه الحرب ذات تابع سياسي حزبي تجسدت في شخصيتي البرهان وحميدتي! إضافة الي ذلك الدعم الاقليمي والدولي للجنيرالين.
تعج الساحة السياسية السودانية بالتيارات، وهي تيارات تكمن تحت مظلة الحواضن السياسية، ومنها الحركة الإسلامية التي تمارس أنشطتها عبر حزبها المؤتمر الوطني، وبعض الأحزاب السياسية ذات الطابع الديني!! منذ سقوط نظام الإنقاذ الوطني ومن معه بواسطة الحراك الشعبي في السودان بما يسمي بثورة ديسمبر المجيدة ٢٠١٨ – ٢٠١٩م، تسلمت المؤسسة العسكرية زمام الأمور دفاعا عن الحركة الاسلامية السودانية وقاداتها وممتلكاتهم بواسطة قائد قوات المسلحة عبد الفتاح البرهان، بالرغم من أن بعض الأحزاب اليسارية نجحت في الضغط علي المؤسسة العسكرية ووضعت وثيقة دستورية وبعدها تم تشكيل حكومة انتقالية بقيادة المؤسس عبد الله حمدوك، إلا أن الفترة الانتقالية لم تكتمل بسبب عدم تخلي البرهان عن قادة الحركة الاسلامية ودافع عنهم بكل قوته!
لذلك، شلت خطط الفترة الانتقالية ومنها الإصلاح الاقتصادي والسياسي والأمني وملفات السلام وتفكيك نظام الإنقاذ (٨٩)، بالرغم من أن رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك تنبأ بالخطر ووافقت على البند السادس إلا ان البرهان انقلب علي الحكومة الانتقالية بائتلافه مع الجبهة الثورية وبعض التيارات الدينية في السودان.
الحركة الاسلامية في السودان: غزو للمجتمع السوداني
دخلت الحركة الاسلامية في السودان عن طريق الغزو للمجتمع السوداني في جانبها الديني، أي إن الحركة الاسلامية في السودان وجدت نفسه اجتماعيا (الطرق الصوفية)، وبعد ذلك سياسيا التي استطاعت أن تحكم الشعب السوداني لثلاثين عاما، ومن ضمن رواد الحركة الاسلامية في السودان مؤسس المؤتمر الشعبي والراحل حسن الترابي.
كان الشيخ حسن الترابي من ضمن المفكرين الجيّدين للحركة الإسلامية في السودان، وبداية ظهور الحركة الاسلامية في السودان كان ما يعرف بالجبهة الاسلامية وشغلت كوادرها مناصب خالدة في الدولة السودانية والتنظيمات الطلابية،، مثلا على عهد الرئيس الراحل جعفر النميري وسوار الذهب وحكومة الصادق المهدي! وبعدها قامت الحركة الاسلامية في السودان بالاستيلاء علي السلطة بواسطة العميد عمر البشير عام ١٩٨٩م، ولم يكن وراء هذا الانقلاب العسكري سوى المفكر الإسلامي حسن الترابي، وأغلبية الساسة السودانيين والدول الإقليمية يعلمون ذلك، وما مدى تأثير شخصية وكاريزما الشيخ الراحل حسن الترابي، وما مدي قدرته الفلسفية في الجانب الديني والسياسي والتاريخي والاقتصادي وغيرها..، وهذا ما أكسب الشيخ حسن الترابي مناصيرين وتلاميذ من من الأحزاب السياسية السودانية وعلى رأسهم المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي وبعض حركات الكفاح المسلحة.
أحمد هارون، حميدتي، البرهان… مسارات
عند الحديث عن قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المملقب ب”حميدتي”، نجده نتيجة استقطاب لأغراض سياسية واجتماعية وثقافية ضد الشعب الدارفوري، يعني باختصار شديد، لقد لعب حميدتي دور الضحية أو آلية من أجل تنفيذ مشروع الحركة الاسلامية في إقليم دارفور؛ وهي الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وليس كعضو من أعضاء الحركة الاسلامية أو المؤتمر الوطني، لأنه ليس لدى حميدتي أية مؤهلات لكي يكون من أصحاب متخذي القرار في الحركة الإسلامية.
كانت هناك استفزازات من قبل قادة الحركة الإسلامية لحميدتي، لأنهم يعتقدون أنه شخص بسيط ويقوم بتربية الإبل ويعيش في البادية ولا يفقه شئا غير القتل عندما يأمرونه لن يتردد في فعل ذلك.
عمل حميدتي بمناطق عمليات في دارفور مع عبد الفتاح البرهان وأحمد هارون، وكانت لديه، رفقة البرهان، علاقات جيدة، عكس أحمد هارون الذي اختلف مع حميدتي عندما كان واليا على ولاية شمال كردفان قبل أن يتدخل رئيس الجمهورية السابق، عمر البشير، ويصلح الأمر.
بالنسبة لجانب الخبرة، عمل كل من أحمد هارون والبرهان في إقليم دارفور منذ بداية حرب دارفور عام ٢٠٠٣م، أما حميدتي فإنه تسلم زمام الأمور كقائد قوات الدعم السريع عام ٢٠١٣م وبعدها بست سنوات تم إسقاط نظام الانقاذ بواسطة ثورة ديسمبر المجيدة عام ٢٠١٩م.
بعد سقوط حكومة الانقاذ في ١١ أبريل ٢٠١٩م، إثر رفض قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي وجهاز الأمن والمخابرات بقيادة صلاح قوش لقمع المتظاهرين منذ بداية عام ٢٠١٩م، كانت مثابة التخلي للقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو عن مشروع الحركة الاسلامية وبدأ يفكر في مشروعه الخاص بشكل سري ومخطط، في حين، شرع عبد الفتاح البرهان التخطيط في الكيفية التي تمكن من إعادة الحركة الإسلامية إلى المشهد! لذا، تم فض اعتصام القيادة العامة بقوة عسكرية مشتركة، وبعد فترة، تم التوقيع علي الوثيقة الدستورية بين المكون المدني (الحرية والتغيير-المجلس المركزي) والمجلس العسكري بقيادة البرهان وحميدتي، منذ سقوط البشير قوات الدعم السريع وضع مشروع ضخم وهي بناء امبراطورية عسكرية متكاملة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا من أجل الاستيلاء علي السلطة للدفاع عن نفسه ومستقبل التكوين الاثني التي تتبع، وتمكن حميدتي من بناء امبراطورية ضخمة وسيطر علي قادة الجيش السوداني وايضا القادة السياسية السودانية وايضا كسب علاقات اقليمية ودولية واسعة، اما عبد الفتاح البرهان سخر جميع موارد الدولة من أجل تحرير قادة الحركة الاسلامية وارجعهم للسلطة بالرغم من تحذير أمريكي اوروبي وبعض الدول الإقليمية.
الجيش السوداني والدعم السريع: انتهت الشراكة
بعد أربع سنوات من الشراكة بين الجيش وقوات الدعم السريع، انتهت الشراكة بحرب بين البرهان وحميدتي في يوم السبت المواقف ١٥ أبريل ٢٠٢٣م! بسبب التباين السياسي والاجتماعي والايديولوجي بين الجنرالين، عندما فشل كل من الطرفان علي الانقلاب علي الاخر وانقلب الوضع راسا علي عقبه…. وفي نفس الوقت هناك تباين في الشعارات بين الجيش والدعم السريع منذ اندلع هذه الحرب بينهما، الجيش يصف قوات الدعم السريع بقوة متمردة ومليشيات والدعم السريع يصف الجيش بالانقلابيين وكيزان ويجب تسليمهم للعدالة….. حميدتي يذكر دائما في حديثه بأنه يحارب الحركة الاسلامية مثل أسامة عبد الله وعلي كرتي وعبد الفتاح البرهان.
اخيرا، اتضحت الفكرة بأن عبد الفتاح البرهان لا يستطيع التخلي عن الاسلاميين لأسباب عرقية وقيمية وايديولوجية، عندما نلاحظ معظم قادة الحركة الاسلامية عبارة اثنية معينة وتنحدر من مواقع جغرافية معينة ونفس الموقع التي تنحدر منها عبد الفتاح البرهان،، لذلك هناك تجانس تام بإضافة الي المساهرة بينهم والعلاقات الاجتماعية والشخصية، عندما اتي حميدتي للخرطوم هناك عدم التقبل واسع من قبل الصفوة السياسية والعسكرية بالخرطوم لحميدتي، وظهرت ذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة في فترة حكومة حمدوك، لذا أراد البرهان التخلص من حميدتي كما حاولت البشير من قبل ولكنه لم يستطيع، الان الحرب مستمرة بين الجنرالين والكل متشوق لمعرفة النتيجة.