كرونيك

الدوخات، كما المصائب، لا تأتي فرادى…!

مثل من يبحر أول مرة على ظهر مركب في عرض البحر، تصيبني دوخة كبيرة عندما أحاول أن أستكشف ما يريده المغاربة، وكيف يفكرون.

الدوخة شعور لا يوصف بالكلمات: العقل لا يدرك حركة القدمين، فهما، في تقديره، ثابتين مثل عمودي كهرباء، أما الجسد دون سبب مقنع للعقل، فيحاكي سنبلة ترسم مع الريح رقصا محتشما في ذهاب وإياب لا ينتهيان.

تبصر العين افقا لا يشبه أفق اليابسة.

إنه أفق مائل.

يحتار العقل: هل جسد الواقف فوق دكة سفينة ثابت أم متحرك؟

تتضارب المعلومات.

نتيجة هذا الخليط هي الدوخة المقيتة وما يصاحبها من أعراض اشفق على قارئي من وصفها بالتدقيق.

يناقش المغاربة، هواة نقاشات الرياضة وتوابعها، خيار شخص اسمه الزلزولي يحمل الجنسية الإسبانية، بعد أن قرر أن يلعب مع منتخب كرة قدم في بلاده، حيث عاش وتفوق في اللعب: إسبانيا.

إنهم يحتجون.

هو ناكر لأصله، يقول بعض منهم.

إنها خيانة للوطن، يضيف آخرون.

السبب هو أن هذا الشخص مزدوج الجنسية، إسباني ومغربي بحكم مسقط رأسه بمدينة بني ملال.

جوقة كبيرة من هؤلاء المتكلمين ستنضم للراحلين نحو إسبانيا تحت جنح الظلام والخوف ورهبة الموت على متن قوارب تسمى عن حق، قوارب الموت.

سيموت من قدر له أن يموت، والبقية الباقية ستفعل ما في وسعها لتحصل على بطاقة إقامة في إسبانيا، ثم جواز سفر يحمل جنسية إسبانيا.

لن يلومهم أحد.

البلد، هذا البلد، وليس إسبانيا، غارق في بطالة الشباب، والدولة، هذه الدولة، لا تأبه كثيرا للجانب الاجتماعي، ليس هناك تعويض عن البطالة ولا تطبيب مجاني وحتى ما تبقى من  التعليم المجاني تتلاشى جودته بسرعة مثل ضباب الصباح العابر.

حرام على لاعب موهوب إسمه الزلزولي، حلال على قطيع جاهل، دون حرفة وليس له من هم سوى أن يصبح ممن يرضعون من ثدي الحماية الاجتماعية الإسبانية.

هي الدوخة الكبرى في فهم ما يريده المغاربة، ما يوافق هواهم وما يغضبهم.

الدوخات لا تأتي فرادى، تماما كما المصائب.

بوادر موجة ثالثة من عدوى كورونا تبرق وترعد في الأفق، والحكومة تسابق الزمن لضمان أوسع قاعدة ملقحة بين السكان.

معظم الناس سيحملون الدولة مسؤولية اكتظاظ اقسام الإنعاش ونقص فيتامين سي وغيرها من الأدوية في الصيدليات، معظمهم أيضا سيصر على تزيين عنقه بالقناع الواقي عوض وجهه.

وفي طامة الطامات، سيمتنع كثيرون عن التلقيح لأسباب لا زالت غامضة.

ثم سينزل هؤلاء و هؤلاء للشوارع والساحات العمومية للتصافح والعناق والتزاحم، وانتقاد فشل الحكومة في تدبير الأزمة الصحية.

دوخة ما بعدها دوخة.

من يبحر وهو يعاني من دوار البحر يتفاءل دوما ويمني النفس بقرب رسو المركب وانتهاء الرحلة.

لا عزاء ولا أمل فقط لمن وجد نفسه محشورا مع ناس لا هم لهم سوى أن يفعلوا ما يثير العجب، والقلق والكثير من الدوخة.

“لا أريدُ أن أقفَ مكتوفةً أمام كلّ هذا العَبث الموجُود في العَالم.. حسنا ما الذّي ستَفعلينهُ؟ سأَجلس.” نيكولو مكيافيلي

(1469 – 1527)

فلنجلس جميعا وننتظر، كما العادة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock