الدكتور مصطفى بن شريف يكتب: الذاكرة السياسية وقضية الصحراء المغربية
في سنة 1995، شاركت الى جانب الإخوة النقيب عبدالرحمان علالي، الأستاذ الحالي بوشتى، الأستاذ عبد السلام الشاوش، كوفد يمثل حزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي في مؤتمر الاحزاب اليسارية والتقدمية في البحر المتوسط، الذي انعقد بمدينة برشلونة الإسبانية. .وشارك في المؤتمر العديد من الأحزاب والمنظمات السياسية من جميع القارات، ومن بينها جبهة البوليزاريو التي كانت ممثلة في شخص “عمر منصور” ممثلها في اسبانيا آنذاك.
وامتدت أشغال المؤتمر على مدى يومين، تخللتها نقاشات ومداخلات المشاركين، إضافة إلى عقد لقاءات ثنائية أو ثلاثية أو أكثر، مع ممثلي الهيئات السياسية الحاضرة والتي كانت تتمحور حول الديموقراطية وحقوق الإنسان وقضية الصحراء المغربية.
وأهم ما تميز به المؤتمر، هو الحضور الوازن للأحزاب الأوربية والأمريكو- لاتينية الاشتراكية والشيوعية، ومن المغرب شارك كل من أحزاب: الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكية، وحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي.
وقبل، انطلاق أشغال المؤتمر، ربطنا اتصالات تمهيدية وأولية مع العديد من الأحزاب والمنظمات السياسية من مختلف أنحاء العالم، وتداولنا في العديد من القضايا المشتركة. ومن أهمها قضية الصحراء المغربية، لأن العديد من الوفود لم تكن على إلمام ومعرفة بالملف، وتقيم خلطا بين النضال من أجل الديموقراطية والنضال الوطني. بحيث أوضحنا للأشقاء في الأحزاب اليسارية والتقدمية، أن قضية الصحراء المغربية ليست بقضية “تصفية استعمار” كما تزعم الجزائر وجبهة البوليزاريو، بالنظر إلى كون الصحراء كانت مستعمرة إسبانية، وهي جزء وامتداد للسيادة المغربية.
الأمر الذي يكون معه المغرب، صاحب الشرعية والمشروعية في استرجاعها، والتصرف فيها وفقا لأحكام القانون الدولي، وبأن سكان الصحراء ليسوا بـ”شعب” وفقا للمبادئ المقررة في القانون الدولي، أو تلك المنصوص عليها في القانون الدستوري، بل هم مواطنون مغاربة، يمكنهم الاندماج والعيش ضمن سيادة المملكة المغربية.
وعرف المؤتمر حدثا يتمثل في اتخاذ، ممثلي أحزاب الاستقلال (فيصل الخطيب، ونزار بركة) والاتحاد الاشتراكي (الدباغ) والتقدم والاستراكية (السعدي) موقفا يتمثل في الانسحاب عند إعطاء الكلمة لممثل جبهة البوليزاريو المدعو عمر منصور.
وتبعا لذلك، تداولنا في الأمر فيما بيننا كممثلين عن حزب الطليعة، واتفقنا على عدم اتباع سياسة الكرسي الفارغ. ويجب علينا الدفاع عن الوحدة الترابية بشكل واضح، وانطلاقا من المبادئ الثابتة للحزب، واستنادا على الشرعية التاريخية لسيادة المغرب على الصحراء.
وهكذا، فتحنا نقاشا واسعا مع ممثل جبهة البوليزاريو باسبانيا عمر منصور، وذلك بمبادرة وبحضور الدكتور قدري جميل، الذي كان يشغل عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري، وهو من شغل لاحقا، وفي عز الحرب على سوريا، منصب نائب رئيس الحكومة.
كما قلت، تم فتح النقاش مع ممثل البوليزاريو، وأكدنا له، موقف الحزب الثابت من مغربية الصحراء، وبأنها جزء لا يتجزأ من الوحدة الترابية للمغرب، ولا تشكل، بأي حال من الأحوال، قضية تصفية استعمار. وشددنا على أن تبني الحزب خيار المعارضة والنضال من أجل ديموقراطية حقيقية، لا يتعارض مع الموقف الوطني من الصحراء. وحذرناه من أن أي مزايدة سنتصدى لها وبكل قوة، مضيفين لممثل البوليزاريو أن الحل الأمثل لقضية الصحراء هو الالتحاق بأرض الوطن، والنضال جنبا إلى جنب، لبناء مغرب ديموقراطي تعددي. لأن خلق كيان صحراوي مصطنع متحكم فيه من الغير ليس له ما يبرره، لغياب الشروط الذاتية والموضوعية لذلك. بل إن السبب هو سياسي، تقف وراءه الجزائر، وكانت قبلها ليبيا. والغاية من ذلك، هو تفتيت الوحدة الترابية للمغرب، وزعزعة استقراره. وهو المخطط الذي لم ينجح إلى اليوم، بفعل اليقظة والإجماع الوطني، رغم الخلاف السياسي حول جوهر الديموقراطية وكيفية ممارسة السلطة.
وتأسيسا على ذلك، كان جواب ممثل البوليزاريو، بحضور الدكتور قدري جميل عن الحزب الشيوعي السوري، والدكتور مازن حنا عن حزب الشعب الفلسطيني، بأنه لن يطيل في كلمته، وبأنها لن تتعدى خمس دقائق، ويلتزم بأنه سيؤكد فقط على الشرعية الدولية.
وفعلا تم احترام الاتفاق من طرف ممثل البوليزاريو، وبعده أخذت الكلمة باسم الوفد الذي كان يمثل حزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي في المؤتمر، وتم التأكيد فيها على مغربية الصحراء، والحاجة إلى ديموقراطية حقيقية في المغرب، وليس ديموقراطية الواجهة، لأننا نؤمن بجدلية العلاقة بين النضال الوطني والنضال والديمقراطي. مبرزا، بأن الصحراويين، لا يشكلون شعبا، بل هم مواطنون مغاربة، ومن حقهم العيش في وطنهم. ومن الواجب على الدولة المغربية، توفير شروط العيش الكريم لهم، وأن تكفل لهم المشاركة السياسية، في تدبير الشأن العام، ضمن مغرب موحد ترابيا، ومتعدد سياسيا.
هذا هو المغرب الذي ننشده ونسعى إليه، لأن الوطن يتسع للجميع. والوطنية هي صمام أمان الوطن، وليست النزعات الانفصالية. وأولياء مهما اختلفنا مع طبيعة الحكم، فهي لا ولن تبرر الخيانة أو الانفصال.