الخطر الوبائي والتوظيف الإخواني
بقدر ما يشكل وباء كورونا كوفيد19 خطرا حقيقيا يتهدد البشرية بأكملها كما يتهدد مقومات الدول وأسسها المادية والاقتصادية، بقدر ما كشف عن لؤم تنظيمات الإسلام السياسي وشرعنتها لكل الوسائل التي تمكّنها من إضعاف الأنظمة السياسية والغدر بالشعوب.
لا أحد كان يتصور أن تصل أحقاد هذه التنظيمات وكراهيتها للدول والأنظمة السياسية إلى الدرجة التي يصير الوباء والظروف النفسية التي أفرزتها مشاعر الذعر والخوف من الإصابة به التي تملّكت الشعوب فرصة لإشاعة الفتنة وتهديد الأمن العام وضرب مفاصل الدولة. إن النضال السياسي والمعارضة المسؤولة للأنظمة مهما اشتدت وتطرّفت لا يمكنها أن تجيز استغلال الأوبئة في تصفية الحساب مع الأنظمة والانتقام منها. لكن التنظيمات الإخوانية أبعد ما تكون عن المعارضة الوطنية أو الديمقراطية ولا حتى الشعبية. لهذا لا حدود أخلاقية ولا اعتبارات دينية أو إنسانية لمخططاتها وأساليبها طالما أن الغاية هي التعجيل بانهيار النظام والزحف على السلطة. ومن الأمثلة التي كشفت عن هذا الانحطاط الإخواني نجد:
1 ــ فيديو ظهر فيه أحد عناصر جماعة الإخوان في مصر وهو يحرض أعضاء الجماعة المصابين بوباء كورونا أو المتعاطفين معها أو الناقمين على النظام باستهداف الجيش والأمن وموظفي الدولة عبر تعمّد لمسهم والاحتكاك بهم ومعانقتهم أو استعمال أي وسيلة من شأنها نقل عدوى الوباء إلى عناصر النظام والدولة.
هكذا تخطط الجماعة لاستعمال الوباء كسلاح فتاك يتجاوز خطورة العبوات الناسفة للقضاء على أكبر عدد من رجال الأمن والجيش والموظفين، فيفقد النظام دعائمه العسكرية والأمنية والإدارية؛ الأمر الذي يصيب الدولة بالشلل ويعطل قوة المقاومة والمواجهة لدى النظام. لا شيء محرَّم، بل كل الأساليب والأدوات جائزة ومشروعة لمواجهة النظام.
2 ــ تداول مواقع التواصل الاجتماعي وثيقة صادرة عن مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين بمصر بتاريخ 19 مارس 2020 هي بمثابة توجيه عام لجميع أفراد المكاتب الإدارية للجماعة بالمحافظات باستغلال (ما تعانيه الدولة المصرية من تراجع في كافة مناحي الحياة بالتزامن مع تفشي وباء “كوفيد 19” والذي من المتوقع أن يجعل نظام الانقلاب في حالة تخبط سياسي واجتماعي وأمني ، والذي يُعد فرصة للجماعة لتوحيد الصف والإجهاز على عل هذا النظام). ومن أجل تفعيل هذا المخطط، تحدد الوثيقة خطوات دقيقة أهمها:
أ ــ “تنشيط الدعوات بين المواطنين بعدم الاستجابة لدعوات المكوث بالمنازل التي يتبناها النظام حتى يتم إرباكه وإفقاده السيطرة على مفاصل الدولة”.
ب ــ (تبني خطة فعالة لنشر الخوف والقلق من تفشي الوباء لتعزيز حالة الهلع التي تنعكس على الأسواق والسلع والمنتجات الغذائية الرئيسية، وذلك لإفقاد نظام الانقلاب قدرته على توفير الاحتياجات الأساسية).
طبعا هذا الإرباك الذي تتوقعه الجماعة سيضطر النظام إلى إنزال الجيش مما سيخفف الضغط عن الإرهابيين في سيناء حتى يوسعوا من رقعة العمليات التخريبية ويسمح لأعضاء الجماعة المصابين بوباء كورونا بنقله إلى عناصر الجيش والأمن في الشوارع.
إنها خطة إخوانية تكاد تكون معمّمة على فروعها في العالم العربي ، والمغرب لم يفلت من استهدافه بهذا المخطط وإن تم تعديله تكتيكيا تبعا لقوة الدولة وحزمها وفعالية المقاربة الأمنية والضربات الاستباقية التي توجهها الأجهزة الأمنية إلى العناصر الإرهابية حتى لا تكون لها بنية تنظيمية وقواعد خلفية ومنابع للتمويل تجعلها قادرة على توجيه ضربات مباشرة للجيش كما هو الحال في مصر. لهذا عدّل فرع الإخوان خطته واقتصر على عنصرين هما:
أ ــ توظيف بعض شيوخه لإصدار فتاوى تكفّر الدولة والنظام ومؤسساته الدستورية مباشرة بعد قرار إغلاق المساجد ومنع كل التجمعات بما فيها الصلاة الجماعية. إن الهدف من تحريك طابور شيوخ التطرف والكراهية هو خلق مشاعر العداء ضد الدولة تجعل المواطنين يفقدون كل ثقة في مؤسساتها، ومن ثم يرفضون الالتزام بالتعليمات والتوجيهات الصادرة عن الجهات الطبية والأمنية قصد الامتناع عن مغادرة المنازل. وترتب عن هذا خروج جموع كثيرة يؤطرها أعضاء بهذه التنظيمات الإسلامية بعدد من المدن التي يتولى الإسلاميون تسييرها.
ب ــ تسفيه قرارات الدولة واتهام النظام باستغلال الوباء لفرض “الحجر على الأذهان” كما جاء في مقالة لأحد أطر جماعة العدل والإحسان على موقعها الرسمي الذي اعتبر الحجر يتوخى (التضييق على حق الجمهور في نقد ما يعنيه من سياسات عامة مرتجلة ومتهورة.. فتقع إثر ذلك انتهاكات كثيرة بداعي الاستثناء، فيجرم النقد.. ويجري العدوان على كل رأي مختلف ومتابعة كل نقد بتهمة نقض “الإجماع المصطنع”. ”). نفس الفكرة عبر عنها حسن بناجح القيادي بالجماعة في تدوينة جاء فيها (قبل ضجيج كورونا كان الانتباه المجتمعي مركزا على طاعون الطغيان وهضم الحريات وتغول الدولة البوليسية… فلا للخروج عن الموضوع؛ الموضوع استبداد طغى وتجبر).
لا يهم الجماعة خطر الوباء على الدولة والشعب والاقتصاد، بقد ما يهمها التشويش على إجراءات الدولة وزعزعة ثقة المواطنين في مؤسساتها والأطر التي توجد في الخطوط الأمامية لمواجهة الوباء بأرواحهم حماية للشعب وللوطن . لهذا لم تنخرط تنظيمات الإسلام السياسي في المعركة ضد الوباء سواء بالمساهمة في صندوق التبرع الذي أحدِث لدعم الشرائح المتضررة من انتشار الوباء، أو للتعبئة المتواصلة من أجل توعية المواطنين بضرورة احترام الحجر الطبي. هدفهم الرئيسي هو التخلص من النظام بكل الوسائل ضمنها وباء كورونا.