الحرب التي تلوح بها الجزائر بدون “حݣرونا المراركة”
هل تصل حماقات نظام العسكر في الجزائر إلى شن هجوم مسلح والدخول في مواجهة عسكرية مع المغرب؟ حتى دون تقديم دليل ملموس على مسؤولية المملكة المغربية في مقتل ثلاثة مواطنين جزائريين؟ وحتى إذا افترضنا جدلا، صحة الادعاءات الجزائرية العدائية، و كل التصعيد منذ حرائق منطقة القبائل، فكيف ستكون الأوضاع إذا دارت رحى الحرب مرة أخرى بين الجارين؟
لا شك أن الوضع الجيوستراتيجي بالمنطقة تغير بشكل كبير، منذ مدة ليست بالقصيرة، وأن مسألة سيادة الجزائر في المنطقة، وشعار “القوة الضاربة” الذي يتبناه نظام الجينيرالات أصبح أسطوانة متٱكلة، بعدما تيقنوا منذ حادث الكركارات أن بيئة التفوق المزعوم، التي تعشعش في أذهان حكام قصر المورادية تغيرت ملامحها، و أصبح ميزان القوة العسكرية متوازنا، حتى لا نقول في صالح المغرب، إن لم يكن العكس، منذ أعوام.
المعطى الثاني، يكمن في هشاشة الوضع في الجزائر، داخليا، أكثر فأكثر مع توالي تفاقم وتأزم الوضع المعيشي للمواطنين الجزائريين، ويزداد الوضع هشاشة بسبب انهيار التماسك الوطني والمعارضة الشعبية للنظام العسكري القائم، والتي ستواجه صعوبة كبيرة في تعبئة السكان وإقناعهم بالدخول في حرب، وهم لا زالوا لم يضمدوا جراحهم بعد العشرية السوداء والمسلسل الدموي، الذي ذهب ضحيته مئات الٱلاف من الأبرياء. كيف سيقنع نظام العسكر، الشعب الجزائري للدخول في دوامة دموية، لا يدرك عقباها، بل كيف ستخرجه من طوابير البحث عن “البطاطا” لتدخله طوابير التجنيد وحمل السلاح؟
ثم كيف لنظام العسكر أن يقنع الشعب الجزائري الذي لا يزال يعيش على وقع صدمة التسعينيات، وعقد من الحرب الداخلية التي لا زالت تقسم الرأي العام الجزائري؟
هل سيخرج قادة الجزائر من مقاليد الحكم من بابه الواسع، كما حدث في فرنسا في القرن التاسع عشر؟ بعد أن أصبح نابليون الثالث معزولا ديبلوماسيا، كما هي الٱن الجزائر؟ وهي التي تلوح دوما بالحرب، وإن كانت لم تستعد لها بالمرة، بل كل ما تجيد صنعه، هو لغة التهديد و الوعيد. لكن هل سيستمر موردي السلاح الروس على وجه الخصوص، بإمداد الجزائر بالسلاح والذخيرة وقطع الغيار الأساسية؟ وقد جربت قبل أيام فقط، خذلانهم لها أثناء التصويت بالأمم المتحدة، لتمديد مهمة المينورسو.
لعل النتيجة، ستكون حتما هي الخسارة، فقد خسرت قبلها الإمبراطورية الفرنسية الحرب وتم القضاء على جيشها الإمبراطوري المتعنتر.
كما ستنهزم الجزائر و”قوتها الضاربة” لتبجحها وعجرفتها بالنصر الوهمي المبين، وكأنها تعرف وتعي كل أبجديات الحروب وما بعد الحروب، اللهم إذا كانت النتائج لا تهمها بقدر ما يهمها تصريف الأزمات الداخلية لتمديد شرعية تواجدها بالسلطة. الأمر الذي يروقها لتقمص دور الدولة المعتدى عليها، أولا من طرف “أيادي خارجية” و “دولة بشمال إفريقيا”، لتصل في الأخير إلى المبتغى و تسمي المغرب باسمه، ونتيجة لهذا الهراء، تضع الجزائر “المظلومة” نفسها في وضع حالة طوارئ، نتيجة الحرب المفترضة التي تريد افتعالها بكل الأساليب، لا يهم متى، كل ما يهم أن تكون حربا في الرمال.
لكن إذا نشبت فعلا الحرب بين الأشقاء، فهي لن تكون الأولى، إذ مرت الٱن، 58 سنة على إحدى أكثر اللحظات ألما بين الشعبين الشقيقين، المغربي والجزائري، نتيجة حماقات وأطماع نظام بنبلة وقتها، حين رفع الأشقاء السلاح بعضهم في وجه بعض في حرب الرمال، بعد أن فشلت الدبلوماسية في إيجاد حل لنزاع حدودي أورثهم إياه الاستعمار الفرنسي، وانتهت الحرب بهزيمة لم تهضمها الجزائر أبدا، وهذا واحد من بين أسباب التوتر بين البلدين اليوم.
وكان لوقع المسيرة الخضراء لاسترجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية من المستعمر الاسباني، بعد إعطاء الراحل الحسن الثاني إشارة انطلاقها، أن جن جنون الجزائر فقامت بطرد 350 ألف مغربي كانوا مقيمين على ترابها، وهو على فكرة نفس عدد المشاركين في المسيرة الخضراء المظفرة. وفي نفس الوقت، بلغ الغل والحقد الجزائري الدفين أقصاه باختلاق كيان جديد دخيل سمته البوليزاريو، لتقويض مساعي المغرب لضم أراضيه المحررة، وانشغاله عن مطالبتها بتندوف وبشار.
الٱن، قد يأدي نظام شنقريحة، الحاكم الفعلي في الجزائر، ثمن عجرفته غاليا، فمن أكبر عيوب هذا النظام الديكتاتوري، أنه يحسب نفسه متفوقا، و أنه بمقدرته أن ينقص من قيمة المغرب بالتطاول على أراضيه، ونتذكر جميعا، يوم أعطت المخابرات الجزائرية الأمر لأبواقها بالمس بمقدسات البلاد، والتهكم على ملكنا المفدى، في وسائل الإعلام، لكن كان فشلهم فشلا سريعا. أرادوا أن يلتف الجزائريون حول النظام العسكري، فإذا بالسحر ينقلب على الساحر، فكل المغاربة، حتى الأكثر راديكالية ومعارضة التفوا حول ملكهم أكثر مما مضى، فرب ضارة نافعة، وهو الفرق بين نظامنا الملكي القائم منذ أزيد من عشرة قرون و نظامهم العسكري الذي تكبره سيارة رونو4 بسنة.
لم يتوان نظام العسكر في الجارة الجزائر، ومنذ استقلال البلاد، من المس بالوحدة الترابية للمغرب، كان ٱخرها، التدخل المفضوح في الكركرات، وشاهد العالم أجمع كيف فر مرتزقة البوليزاريو وهم حفاة. أراد الجنيرالات الجزائريون الانقاص من قيمتنا بين الدول ومحاربتنا ديبلوماسيا، أرادوا نسفنا نسفا محرجا ورخيصا، وأحمقا، ليدمروا شمل المغرب فدمروا صورتهم المخدوشة أصلا، نسفوا ما تبقى لهم من علاقات واهية كانوا يراهنون عليها، فقطع عليهم الشعب المغربي بكل أطيافه الطريق إلى أن تهدئ شياطينهم، فأصبحوا في وضع ذليل مخجل، فهل كانت تستحق نشوة البطولة العنترية الزائفة أن تصنع لها عدواً وهميا اسمه المغرب.
فيا حكام الجزائر، حسن الجوار لا يدار ويدبر بعقلية المعارك، إما نصر أو هزيمة، لأنها حين تكون كذلك، فإن خيار الهدنة أو الصلح صعب وقد يصبح مستحيلا، وتحتقن النفس بحقد رد الاعتبار، والأخذ بثأر الكرامة المهدرة، بعد أن تنسى الجزائر كل ما اقترفته وما قالته وما فعلته، وربما في أكثر أوقاتها فرحا و نشوة زائفين و استرخاء مؤقت، ستأخذ لكمة موجعة، وأسوأ الضربات ما كانت دون سابق أندار أو انتظار.
فقط، رجاء، يومها، لا تقولوا “حݣرونا المراركة”.