الحاجة لاتباع مقاربة فكرية جديدة للعلاقات بين الكائن البشري والطبيعة
يقال بأنه كلما كان عنف الإنسان ضد الطبيعة أكثر، فإن هده الأخيرة هي التي مكنته من العبور إلى بر الأمان. ولوقف تدهور النظام البيئي، من الضروري التفكير كنظام بيئي يقول دوجلاس بي ويلر.
نعيش الآن عالما رأسماليا معولما يدمر الإنسان والطبيعة ويستنزف الموارد الطبيعة؛ عالم أخضع العلم والتقنية للتنافس الاقتصادي ولسيادة الرأسمال ما نتج عنه تردي أخلاقي. نعيش عالما يخضع لثنائية التقدم / التوحش والمستقبل مفتوح على كل الاحتمالات، الاحتمال الأسوأ هو الاستمرار في تدمير الإنسان والطبيعة.
إن استمرار ارتفاع حرارة الأرض سيؤدي إلى المجاعات والحروب على الموارد الطبيعية وانتشار الاوبئة … نتيجة تدهور النظام البئيئي.
وحسب دراسة لباحثين أستراليين، نصف سكان الأرض سيتعرضون لـ20 يوم من الحرارة المميبة (chaleur letrale) إذا استمر الأمر على ما هو عليه الآن من تدمير للطبيعة. النزعة الإنتاجية للنظام الرأسمالي وسياسات التصنيع التي حكمت في بلدان “الاشتراكية الواقعيةٌ ” والتي لم تختلف عن النزعة الإنتاجية السائدة في البلدان الرأسمالية، ألحقت بالطبيعة دمارا هائلا.
خلال السنوات الأخيرة، وقع اندفاع حقيقي للوعي بأن الاستعمال المفرط للموارد الطبيعية لن يمكن من الاستمرار المتواصل للحياة الفيزيائية والبيولوجية. فالإنسانية لن تواجه النفاذ المستقبلي لبعض الثروات الطبيعية فحسب، بل ستواجه تدمير الموارد الأساسية لحياة الإنسان كالتربة. والماء والهواء والمحيط الجوي والطقس…. فإعادة التوازن في استعمال الموارد الطبيعية أصبح يسائل الحياة نفسها على سطح كوكبنا.
هناك حاجة الآن لاتباع مقاربة فكرية جديدة للعلاقات بين الكائن البشري والطبيعة، يقول سمير أمين، بالمرور من مفهوم الاستغلال إلى مفهوم المعايشة، أي عكس فكرة التقدم بدون حدود وعكس فكرة الطبيعة غير القابلة للنفاذ بحسب إرث عصر الأنوار؛ وهذا يعني إحياء قيم الوحدة الجوهرية الموجودة بين الإنسانية والعالم الطبيعي.
إن الوعي البيئي والاستعجال البيئي (الاستمرار على قيد الحياة)، يتطلب الانتقال من مجرد الوعي البيئي إلى هجوم راديكالي فكري سياسي من أجل تصور تنمية بيئية متضامنة. والحاجة لتخطيط بيئي يأخذ بعين الاعتبار طول الأمد وبعد النظر في ظل السيادة العامة (مراقبة المواطنين). هناك، إذن، حاجة ملحة، يقول المفكر سمير أمين، للانتقال إلى حضارة بيئية تتجاوز سيادة المال، وعادات الاستهلاك المصطنعة بالإعلان التجاري والإنتاج اللا متناهي للسلع الضارة بالبيئة.
إن أزمة البيئة وأزمة الطاقة تفرضان المصالحة بين الإيكولوجية والاقتصاد لتجاوز التشخيص الغريب للاقتصاد، والذي يكشف عن السلطة التي يمارسها إنتاج السلع المادية في مجتمع الاستهلاك.
يسير العالم الآن نحو أزمة “الانهيار الإيكولوجي”، إن لم يتم تدارك الأمر، فعواقب الأزمة الإيكولوجية العالمية ستكون أخطر وأكبر بكثير من الأزمة الاقتصادية. والمطلوب الآن، هو رفع شعار “عالم مستدام” بموازاة مع شعار “عالم متضامن” لبناء استدامة بيئية واقتصادية طويلة الأمد، وهذا يتطلب مقاربة كونية متضامنة.
مع كورنا لم تعد الإنسانية مجرد مفهوم مثالي، يقول ادغار موران، إذ أصبحت جماعة ذات مصير مشترك، ووحده الوعي بهذه الجماعة يمكن أن يقود نحو ما يمكن تسميته بجماعة الحياة. الهيمنة والضغط والوحشية تتوطن وتتفاقم خطورتها فوق الكوكب، فوحدها السيرورة المتعددة الأبعاد، والتي تسعى نحو تحضير كل واحد منا، وتحضر مجتمعاتنا، وتحضر الأرض، قادرة على معالجة هذه الهيمنة والتوحش، يضيف ادغار موران .
إذا كنا الآن لا نملك مفاتيح من شأنها أن تفتح لنا أبواب مستقبل أفضل، فإننا لا نعرف طريقا مرسوما الآن يمكن السير فيه، لكننا نستطيع أن نستكشف الطريق من خلال السير كما يقول أنطونيو ماشدار. لكن بإمكاننا، يقول ادغار موران، أن نحدد غايتنا، والمتمثلة في أنسنة الإنسانية، عن طريق تحقيق المواطنة الأرضية في إطار جماعة بشرية كوكبية، إن الرأسمالية المعولمة ليست نهاية التاريخ، إنها سياسة مفصولة عن الحضارة ولا تحضر الأرض باعتبارها بيتا وحديقة للإنسانية.
فالأمل يكمن في امتلاك الجنس البشري وسائل إبداعية لا تنضب عنوانها “من أجل عالم أفضل” فالتيارات المضادة للرأسمالية المعولمة تسعى نحو الإصلاح والتي يمكن أن تتطور وتحول مجرى الأحداث. فزيادة على التيار الاشتراكي والتحرري والإيكولوجي والتيار المضاد للتنميط المعمم والتيار المضاد لهذه الأولوية المعطاة للاستهلاك المنمط والتيار الذي يدعو إلى التحرر من الطغيان الكاسح للمال والتيار الداعي للسلام إلى النفوس وإلى العقول، هناك التطلعات، التي سادت في القرن20، صحيح لقد خابت هذه الآمال، يقول ادغار موران، ولكن من الممكن أن تنبعث على شكل سعي جديد نحو تحقيق مبدأي التضامن والمسؤولية، أي أن تعمل وفق أن “الحقيقة ثورية” من أجل تطبيق تدريجي لشعار “العالم الأفضل”.
للعالم الأفضل مدخل لكي يعانق الإنسان إنسانيته، وهذا ما عبر عنه المقاوم الأستاذ محمد بنسعيد في رسالته المفتوحة الأخيرة لما دعا إلى تبني تفكير التغيير من أجل عالم أفضل، باستبدال نسق تفكيرنا ومفاهيمه المؤطرة لبناء عولمة إنسانية متحضرة وصديقة للبيئة يعانق فيها الإنسان إنسانيته.