مدارات

التيجي تكتب عن ازدواجية الإخوان: الإخوان حائرون.. يفكرون.. يتساءلون.. في ظنون…!

تأسس جزء من هوية جيل كامل على ما يعرف ب”القضية الفلسطينية”، رفعنا شعارات من قبيل “القضية الفلسطينية قضية وطنية…”

الإسلاميون اعتبروها دائما قضية دينية مقدسة، واليساريون والقوميون اعتبروا أن “تحرير الإنسان يمر عبر تحرير فلسطين”..

بوصلة جيل كامل لم تكن تعترف بالوطن الذي تعيش فيه إلا إذا تدثر بالأعلام الفلسطينية، وحملت أرضه “هموم الأمة” و”قضايا الإنسان العربي”..

بدأت تحدث متغيرات كثيرة على الأرض، وخاصة مع اتفاق أوسلو عندما قرر الفلسطينيون أن يذهبوا إلى المفاوضات منفردين، كأنهم يقولون للجميع من المحيط إلى الخليج، أتركونا وشأننا فنضالاتكم من أجلنا ضرتنا أكثر مما نفعتنا..

لا أحد كان على استعداد لأن “يتخلى” عن الفلسطينيين، وظل الجميع يعتبر أن “وحدة الأمة تمر عبر فلسطين”..

حتى عندما أصبح الحلم الفلسطيني عبارة عن حديقة خلفية مقسمة إلى قسمين، وكل قسم يحمل من العداوة للقسم الآخر أكثر مما يحملها لدولة إسرائيل المحتلة، لم يتغير شيء في خطاب المساندين للقضية..

كانت البيانات الحزبية والنقابية والجمعوية لا يمكن أن تخلو أبدا من التذكير بالالتزام دون قيد أو شرط بالقضية الفلسطينية التي كنا نسميها صراحة ومهما كانت أطيافنا السياسية “القضية الوطنية الأولى”.

عقب غزو العراق، أرسل الملك محمد السادس رسالة واضحة للمغاربة وهو يقول لهم إن لديكم قضايا وطنية يجب أن تكون هي الأولى..

بدا في ذلك الخطاب، الذي لازلت أتذكره وأتذكر ظلاله النفسية، مثل أب سرح أبناؤه خارج البيت بدعوى دعم أبناء الجيران في معركة مقدسة ضد غريب، وهو يطل عليهم من شرفة المنزل ويذكرهم أن غيابهم طال وبيتهم قد يسرق أو ينتهك، لذا عليهم أن يعودوا..

البعض تسلم الرسالة، وبدأ يغير مواقفه تدريجيا، لكن من اعتقد دائما أن القضية ليست قضية أرض ولا قضية احتلال فقط ولكنها قضية عقيدة، قضية إيمان أو كفر، قضية دينية لاحت بشائر النصر فيها في حديث نبوي شريف “لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي تعال يا مسلم هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله..”

قضية أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله عليه الصلاة والسلام..

من آمن دائما أن مشكلته ليست فقط مع أرض احتلت ولكن مع ديانة لا يرى في أتباعها إلا أنهم “أحفاد القردة والخنازير”..

من الطبيعي أن يكون أي تحويل في الموقف رحلة صعبة جدا على المستوى العاطفي، مع أن السياسة لا تعترف بالعواطف..

لهذا يجد إسلاميو المغرب إضافة الي بعض القوميين وفئة من اليساريين أنفسهم الآن، محصورين في الزاوية، فقد بحت حناجرهم وهم يرددون أن “التطبيع خيانة” فكيف سيقبلون أن تفتح الأجواء حتى لو كانت ستأتي عبرها أفواج الحجاج اليهود المغاربة؟

الموقف المغربي الرسمي الأخير كان سياسيا وواقعيا، يفصل بوضوح بين الوضع الديني الاعتباري للقدس، ويعلن أنه لن يتخلى عنها، وبين الوضع السياسي الذي لا ثبات فيه غير التغيير. ويعيد ترتيب الأولويات واضعا قضيته الوطنية الأولى على رأسها.

لكن بيانات الجمعيات المساندة لفلسطين والتي يرأسها قوميون ويساريون، كانت عاطفية وغاضبة ومنددة كعادتها منذ أن تأسست.

وتاه الإسلاميون بين موقف رسمي هم ملزمون به بحكم قيادتهم للحكومة  فخرج بيان حزب العدالة والتنمية معبرا عن موقعه أكثر مما هو معبر عن موقفه الذي سيحتاج الى سنوات لينضج على نار هادئة.

وبين موقف عاطفي عقائدي عبرت عنه كل المكونات تقريبا بما فيما حركة التوحيد والإصلاح الجناح الدعوي والحليف الاسترتيجي للحزب.

حيث أعلنت “تأكيدَ موقف الحركة الرافض والمستنكر لكل محاولات التطبيع والاختراق الصهيوني” بل ذهبت الحركة التي يفترض أن تتناغم بياناتها مع مواقف الحزب الذي تدعمه إلى  أن “ما أقدم عليه المغرب، الذي يرأس لجنة القدس الشريف.. تَطوراً مؤسفاً وخطوةً مرفوضةً”

وذهبت منظمة التجديد الطلابي التي يفترض أنها تمثل الجناح الطلابي لحزب العدالة والتنمية إلى استنكار ” مُقايضة الموقف الأمريكي من قضية الوحدة الترابية. بتراجع المملكة عن مواقفها الثابتة والتزاماتها الأخلاقية والسياسية إزاء القضية الفلسطينية. واعتبرت ذلك إساءة للقضيتين معا ومساسا بعدالتهما.”.

وبطبيعة الحال لا مفاجأة في تطابق موقف جماعة العدل والاحسان مع الحركة حيث افتتحت بيانها الغاضب بالتأكيد على أنه ” في خطوة غير مفاجئة لكن فاجعة تلقى الشعب المغربي والشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية وأحرار العالم خبر تطبيع النظام المغربي علاقاته مع الكيان الصهيوني، تأسياً بمحور الخيانة الذي سبق إلى هذا التردي، وهي طعنات جديدة في ظهر الأمة قبل أن تكون في ظهر فلسطين”

وسار بيان الاتحاد العام لعلماء المسلمين والذي يرأسه الشيخ المغربي والرئيس الأسبق لحركة التوحيد والاصلاح على نفس الدرب معتبرا أنه “لا تجوز شرعا ولا تتناسب مع مكانة المغرب الذي يرأس لجنة القدس الشريف، بل وتتنافى مع مواقف الشعب المغربي، المساندة دوما للشعب الفلسطيني، والمناهضة لكل أشكال الاحتلال والاغتصاب والعدوان والإجرام، التي يمارسها ويتمادى فيها الكيان الصهيوني، الذي لا تزيده هذه المبادرات التطبيعية إلا تعنتا واستكبارا وعدوانا”.

كل هذا القلق يحيل على وجود إشكال حقيقي في المواقف والتصورات، ويحتاج الى جرأة غير مسبوقة لإعادة قراءة التاريخ والواقع، وإعادة تسمية الأشياء.

فهل ستكون الأرضية الرسمية المغربية أرضية صالحة لمراجعة التعاطي مع القضية الفلسطينية من خلال فصل ماهو ديني فيها عما هو سياسي؟

هل يكون بلاغ الديوان الملكي الذي صدر  10دجنبر منطلقا لإعادة رسم ملامح صورة القضية الفسلطينية التي أكد البلاغ بشكل غير مباشر أنها تعني الفلسطينيين دون غيرهم أن ما يمكننا القيام به بالنسبة لإخواننا في فلسطين هو دعمهم في مفاوضاتهم التي اعتبرها هي  “السبيل الوحيد للوصول إلى حل نهائي ودائم وشامل لهذا الصراع”.

وبين الموقف الديني الذي شدد القصر في بلاغه “على ضرورة الحفاظ على الوضع الخاص للقدس، وعلى احترام حرية ممارسة الشعائر الدينية لأتباع الديانات السماوية الثلاث، وحماية الطابع الإسلامي لمدينة القدس الشريف والمسجد الأقصى، تماشيا مع نداء القدس، الذي وقعه جلالة الملك أمير المؤمنين، وقداسة البابا، خلال الزيارة التاريخية التي قام بها قداسته للرباط في 30 مارس 2019.”.


(×) كاتبة من المغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock