مدارات

التطبيع والتضبيع.. وأشياء أخري..

التطبيع هو أن تجعل أمرا ما طبيعيا في نظر الناس وفي تعاملاتهم.. لا يثير حفيظة أحد.. وهو يأتي بالإلحاح عليه وجعله حاضرا كل يوم في تفاصيل المشهد.. حتى يترسخ هذا الحضور كجزء أصيل في واقع الأشياء.

في حالة العدو الصهيوني.. كان هناك دوما نوع من التطبيع الرسمي.. فالأنظمة لم تمانع يوما، مع استثناءات غير مؤثرة.. في القبول بمد اليد لهذا العدو.. وكانت البداية مع أكبر دولة عربية، وأكثرها تأثيرا في مجريات الصراع… في ما عرف باتفاقيات كامب ديفد.. المشكلة كانت دائما مع الشعوب التي استقر في لاوعيها الجمعي نوع من أنواع الرفض المبدئي لتطبيع علاقتها بالمحتل الغاصب.. فكان الاتجاه نحو حلحلة هذا الرفض ضرورة لدى صناع القرار.. وكانت البداية المنطقية من الإعلام. وأكاد أجزم بأن إنشاء قناة فضائية بمواصفات دولية عالية كان بمثابة البلاغ رقم واحد في الحرب الإعلامية.. فكانت الجزيرة أول الغيث…

هكذا بدأت أولى الخطوات في تشكيل “وعي” جديد بملابسات الصراع في المنطقة.. وبدأ الحضور اليومي لجنرالات وسياسيي العدو الصهيوني في كل بيت عربي عبر الفضاء..

إنشاء هذه القناة بشعار جذاب “الرأي والرأي الآخر”.. شكل قفزة نوعية في تمرير خطاب الفتنة.. ودق آخر مسمار في نعش ما عرف يوما بالتضامن العربي.. ودفع قطر إلى تبني المشروع لم يأت اعتباطا.. فالفكرة أنه لابد من زرع كيان منفلت في جزيرة العرب شبيه بالكيان الإسرائيلي في التطلعات وخطاب المظلومية.. بدأت الجزيرة بإعلاميين متمرسين.. جلهم تمرسوا وتدربوا في قناة الـ (BBC) العربية.. وهي القناة التي كانت تحظى بنسبة مشاهدة عالية في الوطن العربي..

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تجاوزه إلى اختيار عناصر عليها العديد من علامات الاستفهام لقيادة المشروع.. ويأتي على رأسهم الدكتور عزمي بشارة.. عضو الكنسيت الإسرائيلي.. وصاحب الباع الطويل في التنظير لثقافة الهزيمة.. ليصبح مستشارا لأمير قطر ووالدته الشيخة موزة.. وتطلق يده في تأسيس ما يراه مناسبا في مجال عمله المأجور.. جريدة “العربي الجديد” وقناة “العربي” في لندن.. إضافة إلى مركز للأبحاث والدراسات في الدوحة.. كل ذلك بأموال قطرية سخية توازي ما ينفق على قناة الجزيرة.

وحتى تكتمل الصورة، تختار قطر شخصية أخرى.. ويا للمصادفة! فلسطيني هو الآخر.. لإدارة قنوات تبث من تركيا: “الشرق” و”الوطن” و”مكملين”.. دون أن يكون له ظهور على واجهة التدبير.. إنه الإخونحي الفلسطيني عزام التميمي  نسبة غير مقصودة لتميم) .. والشخصيتان معا (القومجي والإسلاموي) يجمعهما إسم يكاد يكون واحدا له علاقة بالعزم والعزيمة. لكنهما لا يبديان أي عزم في التعامل مع القضية الأم.. قدر ما يبديانه منه في خلط الأوراق والتشويش والمزايدة عليها.

لعل شوطا من أشواط المشروع يوشك على نهايته.. لتبدأ أشواط أخرى.. يبدو ذلك من خلال الصراع المحتدم بين أبناء التميمي من جهة.. وأبناء بشارة من جهة ثانية.. حيث أصبح كل طرف يتهم الطرف الآخر بالعمالة والخيانة.. وكأنهم لم يكتشفوا بعضهم إلا بعد أزيد من عقد من التعاون والتآزر…

رموز الفتنة في حرب مواقع تحركها جهات مستفيدة.. ولا عزاء لشعب محتل.. كان الجميع ينطق باسمه.. ويلعب في مصيره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock