التأمين الاجتماعي…. بين التصور والواقع
يتساءل الكثير من المغاربة عن الحماية الاجتماعية والتي تتمتع بها دول متقدمة من ضمنها دول الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، فمن الطبيعي أن نتساءل ونطالب بهذا الحق، الذي نصت عليه المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. والتي لها أي؛ الحماية الاجتماعية، انعكاسات على مستويات متعددة منها ما هو سياسي، اقتصادي، واجتماعي كذلك.
مكنت الأنظمة الوطنية الإجبارية وأنظمة التعاضد الممولة من المساهمات المقتطعة، من التخفيف من الأعباء المالية العمومية، فالأنظمة المذكورة هي بعض آليات تندرج في إطار الحماية الاجتماعية المتعارف عليها دوليا.
ولتطويرها، يجب اعتبار الحماية الاجتماعية بمثابة استثمار وليس تكلفة إضافية، وهنا أقصد الفئة النشيطة التي لها دخل لا بأس به وباستطاعتها اقتناء عقود التأمين.
باعتبار التأمين الخاص محسوب على اليات الحماية الاجتماعية، ولا يتعارض مع الجانب الديني، فهناك معتقدات خاطئة تعتبر التأمين خروجا عن الملة، في حين أراه عقد كغيره من العقود بين المؤمن والمؤمن له، وذلك عن طريق تقديم المؤمن خدمات تمكنه من مواجهة المخاطر، بواسطة عقد يتعهد بموجبه المؤمن بتغطية وتعويض الخسائر للمؤمن له حسب العقد المبرم، في عالم يزخر بالمخاطر.
ويتجلى الجانب القانوني للتأمين في مبدأ الحقيقة والتعاقد، إذ لا يجوز الإدلاء بحقائق مضللة بالنسبة للمؤمن له، مع التزام المؤمن بتعويض المخاطر عند وقوعها، مقابل قسط معين يلتزم بدفعه المؤمن له.
وقد كرس القانون رقم 64.12، القاضي بإحداث هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، الدور الرئيسي للهيئة، المتمثل في حماية المؤمن والسهر على جودة الخدمات، وتلقي ومعالجة الشكايات المتعلقة بالعمليات التي تزاولها الشركات الخاضعة لمراقبتها.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن أغلب المغاربة؛ تنحصر مشترياتهم على تأمينات السيارات بإعتبارها إجبارية، وهذا يعود لانخفاض مدخول المواطنين مما لا يسمح لهم بشراء عقود تأمينات إضافية وانحصار ذلك على أوساط وطبقات قليلة.
لكن قد يقع أن تجد فئات اجتماعية لها مدخول لا بأس به، وبإمكانها الاتجاه الى مؤسسات التأمين أو الأبناك قصد التعاقد، لكنها لا تفعل وحين التصادم مع مخاطر الحياة تتم مطالبة الدولة من أجل تقديم المساعدة، مما يوحي بغياب ثقافة التأمين وكذا غياب مفهوم الحماية الاجتماعية.
إن نشر الوعي التأميني مسؤولية متشعبة، تتجلى في ثقافة الاستهلاك لدى المواطن أولا، من خلال عدم معرفتهم بمزايا عقود التأمين، فقد تصاحبها امتيازات عدة، وقد تكون ضريبية.
إن ثقافة التأمين هدفها الأول هو توعية الأفراد بأهمية قطاع التأمين من الناحية الاجتماعية والاقتصادية من جهة ، ومن جهة أخرى؛ فهي تساعم في الاقتصاد الوطني من خلال دعمه للمشاريع الاقتصادية واستثمار أمواله فيها وحمايتها من مختلف الأخطار، فضلا عن إيصال رسالة مباشرة إلى المجتمع عن طبيعة أنواع الاخطار المحيطة به وأسبابها وطرق معالجتها، الأمر الذي يخلق نوعا من التوعية والاستعداد.
إلا أنه يعاتب على مؤسسات التأمين؛ عدم امتلاكها لمهارات تسويقية وتواصلية، لنشر الوعي التأميني بما يناسب عقلية المواطن، ينضاف إلى ذلك سوء العلاقات وفقدان الثقة بين بعض المستويات المشتركة في عملية الاتصال، لذلك أرى أنه على عاتقها تطوير منتوجات جديدة وتقديم تفسيرات مبسطة تراعى الثقافة المحدودة ومتطلبات الجمهور.
كما يتعين على وسائل الاعلام، أقصد الاعلام المباشر وغير المباشر، المساهمة في نشر المعرفة بمساهمة وكالات التأمينات الحكومية بمعية هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، قصد وقف نزيف المعاناة الناتجة عن المخاطر.
فالحماية الاجتماعية بتصورها الدائم والقانوني، تستهدف فئتين وهما؛ فئة منعدمة الدخل وفئة ذوي الدخل، إذ لا داعي لمن هم باستطاعتهم تأمين أنفسهم مطالبة الدولة بتأمينهم، أما الفئات الهشة فيتوجب على الحكومة في أقرب الآجال إنشاء برامج تستهدفهم بدون اداءات لتقديم المساعدات اللازمة لهم.