البيجيدي يستعرض عضلاته ضد الدولة
كلما اتسعت قاعدة حزب العدالة والتنمية زاد غروره وتقوى تهديده للدولة. ففي الدول الديمقراطية، عريقة وفتية، تساهم الأحزاب في تعزيز سمو الدستور وسيادة القانون أيا كان موقعها وحجمها. بل تكون شريكا رئيسيا في إشاعة قيم المواطنة والتربية على احترام المؤسسات والاحتكام إلى القانون.فلا حزب في هذه الدول حرض ضد القوانين والمؤسسات الدستورية. فحتى اليمين المتطرف في أوربا لا يستهدف أسس الدولة ومؤسساتها حتى وهو يعارض عددا من القوانين المعمول بها (قانون الهجرة مثلا). بينما يعرف المغرب ظواهر شاذة لا يمكن أن نجد لها مسوغا، خصوصا من حزب يرأس الحكومة ويدير شؤون الدولة. لقد دأب حزب البيجيدي على التلويح بما يهدد استقرار الدولة كلما أحس أن هامش أرباحه السياسية يضيق أو أن مصالحه الحزبية باتت مهددة.
فالحزب يلعب دور الضحية والمظلومية حين يريد التستر على ضعفه في التسيير وتدبير الشأن العام؛ إذ من يستمع لخطاب المظلومية لقادته قد يعتقد أن الحزب مغلوب على أمره وبه من الوداعة والميول السلمية ما يجعله يتجنب كل سبل المواجهة أيا كانت الظروف. كما يلعب دور القوة السياسية التي تعلو على الدولة ومؤسساتها وتسمو على كل القوانين المعمول بها، أو قوة لا تسري علها سلطة القانون؛ ومتى حاولت الدولة ضبطه وإخضاعه للتشريعات إلا وتعنْتر عبر شتى أشكال وأساليب العنترية التي تتغذى على مفهوم “الفوضى الخلاقة” الذي يضع الدولة بين خيار الرضوخ لمصالح الحزب ولو على حساب الدستور والقانون، أو مواجهة الفوضى وتهديد الاستقرار كما حدث في أكثر من مناسبة:
1 ــ محاكمة عبد العالي حامي الدين بتهمة قتل الطالب أيت الجيد حيث استنفر الحزب كل أجهزته، ليس لضمان محاكمة عادلة لعضوه القيادي، ولكن لمنع المحاكمة من أصلها، حيث اعتبر مصطفى الرميد، وزير حقوق الإنسان، في تدوينة على صفحته بالفيسبوك أن المحاكمة “خرق قانوني خطير”.
فالأمر لم يتوقف عند تصريح صحفي أو تدوينة عابرة، بل تحول إلى انخراط رسمي للحزب في “معركة سياسية” ضد الدولة منذ أن أعلن الأمين العام السابق للحزب عبد الإله بنكيران خلال المؤتمر الثامن للحزب قراره “لن نسلمكم أخانا”. كل هيآت الحزب تبنت موقف التمرد على الدولة ومؤسسة القضاء باستعراض القوة العددية لترهيب هيأة المحكمة ومن خلفها الدولة حتى تطوي الملف وتوقف المحاكمة. إذ دعت الأمانة العامة للحزب عموم المنتسبين للتنظيم بمساندة حامي الدين عبر الحشد العددي أمام محكمة الاستئناف بفاس، فكان عبد الإله بنكيران أول المحتشدين. وهذه رسالة تهديد واضحة للدولة أن الحزب صار قوة سياسية لا تسري عليه قوانين الدولة . ولا يفوّت قادة الحزب أية مناسبة لتهديد الدولة “بالفوضى الخلاقة”، سواء عبر تطويق المحكمة بالحشود البشرية أو تحدي القضاء والدولة بقرار “لن نسلمكم أخانا” الذي جدد الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني التمسك بك خلال الملتقى الخامس عشر لشبيبة الحزب، (الأحد 21 يونيو 2019)، حين أقسم”والله منْفرطٌوا فحتى شي واحد منا”، “لن نسلمكم أخانا.. سندافع عنه إلى النهاية.” وهذا تحدي واضح لسلطة القضاء وللقانون ورسالة مباشرة للدولة مفادها أن الحزب فوق الدولة وفوق القانون. وقرار من هذا النوع هو اعتداء على سلطة القضاء وعصيان للقانون وتمرد على الدولة.
2 ــ محاكمة كاتب فرع الحزب بسوق الأربعاء الغرب بتهمة اختلاس أموال من مؤسسة للقروض الصغرى بنفس المدينة التي يتولى فيها المعني منصب النائب الرابع لرئيس المجلس البلدي. وبدل تجميد عضوية المتهم إلى حين صدور حكم المحكمة للبت فيها، حرك الحزب هيأة محاميه للدفاع عنه؛ الأمر الذي يشكل ضغطا سياسيا على هيأة المحكمة وتهديدا مبطنا للدولة حتى ترفع يديها عن ملفات الفساد التي يتابع فيها أعضاء من الحزب أو مهددون بالمتابعة خصوصا بعد صدور تقارير المجلس الأعلى للحسابات.
3 ــ اتهام الحزب لوزارة الداخلية ورجال السلطة التابعين لها بـ”عرقلة التنمية في الإقليم”: ويأتي هذا الهجوم عبر عدة مدن ضمن خطط الحزب المتمثلة في لعب دور الضحية والمظلومية بهدف الضغط على الدولة وتعطيل القانون حتى لا يقوم رجال السلطة من ولاة وعمال بمهامهم الإدارية التي ينص عليها القانون. فالحزب يريد أن يستفرد مستشاروه بميزانيات المجالس الترابية فيعيثون فيها تبذيرا ودعما للجمعيات المدنية التي تدور في فلك الحزب (ما يزيد عن 32 ألف جمعية تابعة للبيجيدي).
في هذا الإطار شن عدد من مسؤولي الحزب بالمجالس الترابية هجومهم على الولاة متهمين إياهم “بعرقلة التنمية” كما هو حال رئيس جماعة الراشيدية الذي اتهم الوالي بقتل التنمية بجماعة الراشيدية وتوقيف المشاريع وعدم مواكبتها؛ فيما وصل الأمر بمستشار جماعي بدائرة اغرم والمنتمي لحزب العدالة والتنمية إلى إصدار تسجيل صوتي تضمن عبارات السب والقذف في عامل إقليم تارودانت.
4 ــ التهديد بالثورة وإراقة الدماء في حالة الخسارة في الانتخابات: ليس أول مرة يهدد فيها الحزب “بالفوضى الخلاقة” في حالة خسر الانتخابات أو لم تستجب الدولة لمطالبه، فقد سبق وهدد الحزب بإحراق البلاد إذا لم يتصدر نتائج الانتخابات في 2011، وكذلك فعل من قبل خلال إعداد مسودة الدستور إذا لم تتضمن مطالبه. ولا فرق بين خطاب الحزب التهديدي زمن المعارضة وزمن رئاسة الحكومة. فكثيرا من هدد رئيس الحكومة السباق بنكيران بالنزول إلى الشارع، أي إشعال الفتنة. وظل هذا التهديد قائما يرفعه أعضاء الحزب كلما اقترب موعد الانتخابات.
ففي شريط فيديو لمستشار جماعي للحزب بالقصر الكبير جاء تهديده واضحا كالتالي: “ستنتهي معركة الانتخابات المقبلة في القصر الكبير بقتلى وجرحى وأسرى.” نفس التهديد أطلقه عضو قيادي بالحزب بمدينة وزان، يستهدف به الدولة مباشرة حين كتب في تدوينة تهديداً مباشراً للدولة “إن استهداف إصلاحات حزب العدالة والتنمية وعرقلة الإصلاح ومحاولة القضاء على حزب المصباح سيفتح باب الثورة”.
لم يعد من شك في أن حزب العدالة والتنمية لا يؤمن بالمساواة أمام القانون ولا بدولة المؤسسات ولا يسعى إلى تكريس سلطة القانون وسمو الدستور. حزب لم يتحرر من ثقافة الغزو والسبي ليكون حزبا مدنيا عصريا يحترم قيم المجتمع وهويته متعددة المكونات ، مما يشكل تهديدا حقيقيا للخيار الديمقراطي الذي أجمعت عليه كل مكونات المجتمع المغربي.