البوجادية في نسختها المغربية
استطاع بيير بوجاد أن يفوز بانتخابات البرلمان الفرنسي دون أن يتوفر على برنامج أو أفكار جديدة.
بوجاد لم يكن لا يساريا ولا يمينيا.. بل ابتكر خطابا مباشرا ومتماهيا مع لغة الشارع، يدعي الدفاع عن صغار التجار ضد تسلط الإدارة ، وضد هيمنة المثقفين وموظفي الضرائب على الحياة العامة داخل الجمهورية الرابعة بفرنسا.
استمرت حركة بوجاد في الحياة السياسية من 1953 إلى 1958.
في سياق مختلف، هاجم بنكيران الموظفين ونعتهم بمصاصي دماء ميزانية الدولة.
ثم هاجم أخرون في حزبه، اليسار واليمين والنساء والنقابة مجتمعين. خطاب شعبوي نفذ إلى قلوب البسطاء والمحرومين.
صرح بنكيران الزعيم السابق في حزب الأغلبية، أن مسيري الحزب عليهم أن يحسنوا أحوالهم أولا.
تحقق الهدف فعلا بالنظر للتحول الهائل الذي طرأ على هيئة وهندام منتسبي الحزب.
اختفت اللحى تدريجيا.. ومعها مكتسبات الموظفين في التقاعد والتوظيف وأشياء أخرى…
ثم ظهر كثير من القادة الجدد بابتسامة بيضاء ناصعة تساوي أو تفوق رواتب معظم عمال القطاع العام.
في المقابل، استمر فشل اليسار في إقناع كتلة ناخبة كبيرة بما يكفي لمنافسة هيمنة حزب العدالة والتنمية على الطبقات الشعبية.
لا يفهم معظم الناس خطاب مثقفي اليسار الغامض والمتعالي أحيانا.
الشعبوية تشبه الفيروسات التنفسية. تنتشر بسرعة وتصيب الفئات التي تفتقد للمناعة الفكرية.
غالبا، يتكتل التجار الصغار والحرفيون ضد المثقفين وموظفي الطبقة الوسطى.
يفضل القادة الشعبويون احتساء كأس شاي أو التهام وجبة شعبية أمام عدسة مصور، على كتابة مقالات تحليلية أو نقاشات أكاديمية حول الاقتصاد والسياسة.
دغدغة مشاعر العامة أفيد وأسهل.
اختفى تيار بيير بوجاد..، وتحولت البوجادية إلى نوع من الوصف القدحي في اللغة الفرنسية.
في سنة1958، خسر كل النواب البوجاديين مقاعدهم، باستثناء نائبين اثنين. أحدهما يسمى جون ماري لوبين، استمر ليصبح رمزا مقيتا لليمين المتطرف والعنصري.
توفي بيير بوجاد سنة 2003 وسط تجاهل تام من الطبقة السياسية الفرنسية.
البوجادية انتهت تماما مع دخول فرنسا مرحلة الجمهورية الخامسة.
كلمة بوجادي بالدارجة تعني عديم الخبرة.
تكاد تكون شتيمة.
يمكن لعديم الخبرة أن يحدث أضرارا لا حد لها إذا تولى أمورا لا قدرة له على إنجازها.
تخلصت فرنسا بسرعة من الحركة البوجادية بفضل وعي ناخبيها وتمرس نخبتها.
قبل كل هذا، كتب فولتير(1694-1778): “أفضل حكومة هي تلك التي يوجد فيها أقل عدد من الأشخاص عديمي الفائدة.”