الباحث قوادري قادة يكتب: من الحجر الفكري إلى الفكر الحجري
يُعَرف صاحب الكتاب الشهير “روح القوانين” الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو الحرية على أنها “…فعل كل شيء بما يسمح به القانون…” بمعنى تسيج الحرية بسياج القانون، وهذا الأخير (القانون) هو عبارة عن مجموعة من القواعد الناظمة للمجتمع.
فنحن نعيش في مرحلة طغيان النرجسية في الحياة اليومية وخاصة عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي، فالكل يريد أن يثبت وجوده للكل، بإبراز العناصر المكونة لحقوق الانسان والإنسانية وتبين الانضباط والإرشاد المجتمعاتي، وهذا مالا نجده في الواقع اليومي، فقد شد انتباهي كيفية التعامل مع بعض عمليات التضامن المصورة عبر التراب الوطني وهذا بتشهير المستفيدين من المعوزين متناسين كرامتهم ونفسيتهم ونفسية أبنائهم ونظرات زملائهم (أقصد زملاء الأبناء) فيما بعد، فهم في هذه الحالة عبارة عن أرقام وعناوين فقط، وبالتالي نحن أمام تكوين مجموعة ناقمين ومنحرفين بالضرورة من حيث ندري أولا ندري، ألا يحق لنا التكفل بهم وبتستر وكل في حيه ومقاطعته مثل ما تعطى الزكاة ؟
فقد عملت السلطة السابقة ولمدة طويلة على إرغام المواطنين للتسول، وهذا بخلق فارق كبير بين أغنياء البنوك وبين العمال الموظفين، فكان شرخ كبير في المجتمع ومداواته تستلزم سنين طويلة، فأضحى هذا الأجير (الموظف) عبارة عن عبد يتمتع بالحرية وبالتالي سوف تكون النقمة على كل مؤسسات الدولة وإلى رموزها وهي حتمية اجتماعية كانت ظاهرة في حراك 22 فيفري2019 في الجزائر فالوظيفة السامية في الدولة أضحت مصدرا للثروة والجاه، فما اجتمعت الوظيفة بالثروة إلا وصاحبها الفساد.
فالتحجر الفكري هو الارتباط الطبيعي بأصنام العقل، فكيف نقبل النصيحة من فاشل،… إذا أردت النصيحة فعليك بالناجح لا الفاشل، فمثلا إذا أردت الزواج فلا تستشير المطلق، فالأصنمة تكمن في نرجسية الشخص بحيث يرى نفسه مكتمل المعرفة ويفهم في كل التخصصات ويحلل ويناقش ويجادل وحتى يهاجم معارضيه، وهو لا يعرف أن الفكر يتجدد من المعرفة المتجددة، وأن عدد التعليقات والاعجابات لا تدل على صواب الفكرة، فالعدد في ضل هذه الحالات هو لعنة مذمومة ويضع الشخص في تيه الواقع، فالمسألة ليست وسائل وإنما مناهج وأفكار كما يقول مالك بن نبي.
وعليه على المثقفين الحقيقيين في العالم العربي أن يسترجعوا مقود النضال، ليكونوا فاعلين في الحياة الاجتماعية والسياسية للدولة والتغير الحقيقي هو التغير المنشود في تبدل سلوكيات المجتمع، أما غير ذلك فهو عبارة عن عبث مقرون بالانتهازية وبالوصولية وحتى الزبونية، وتبقى ريما دائما في حالتها القديمة، رغم الإحاءات التي تسوق على أنها مؤشرات التغير. وهذا ما أكده الفيلسوف رماند حينما قال “…المشكلة في البلاد الافريقية تكمن أنها من اختصاص عالم البيولوجيا الاجتماعية أكثر من المهندس الاجتماعي… ”
وفي الأخير…..
الفاشل هو الذي لا يعرف أن يجعل تفكيره في الفعل ويبقى في الافتراضي وإضاعة الوقت، فكما يقال “…كل نجاح في الدنيا عبارة عن حظ،.. أسئل الفاشل… ” فلا نربط حياتنا بالحجر الفكري المنبعث من منصات مواقع التواصل الاجتماعي ونستهلكه كفكر حجري.
ألم يحن الوقت لبرمجة الواقع حتى لا نكون ضحية عنف الواقع؟؟.
ونختم بقول الإمام الشافعي رحمه الله: “…ما جادلت عالما إلا وغلبته، وما جادلت جاهلا إلا وغلبني، وإن اجتمع الجهل وسوء الخلق، فأعلم أن سيء الخلق يأبى إلا أن تدنوا لمستواه… اللهم أكفنا شر الكبر وسوء الخلق… ” آمين.