الانتصار لحقوق المرأة يعتبر أحد الرهانات الأساسية لمغرب الغد (رئيس النيابة العامة)
قال مولاي الحسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، إن “الانتصار لحقوق المرأة والاستماتة في الدفاع عن كل هذه الحقوق يعتبر أحد الرهانات الأساسية لمغرب الغد.”
خلال مائدة مستديرة نظمت صباح اليوم الخميس 26 ماي 2022 في الرباط، اعتبر مولاي الحسن الداكي أن مسار المملكة المغربية في النهوض بحقوق النساء وتمكين المرأة يتميز باستناده على المرجعية الدولية لحقوق الإنسان بصفة عامة والمبادئ الجوهرية التي تنبني عليها هذه المرجعية.
واكد الداكي خلال كلمته بمناسبة المائدة المستديرة المنعقدة بمجلس المستشارين حول موضوع “المرأة، من موضوع في منظومة العدالة إلى فاعلة في التغيير والتطوير”، أن “أن قيم المساواة بين الجنسين والدفاع عن حقوق المرأة تعتبر من المبادئ الكونية التي تنادي بها جل المواثيق الدولية ذات الصلة بمجال حقوق الانسان، واستشعاراً بضرورة تكريس هذه المبادئ وترجمتها على أرض الواقع ، بادرت بلادنا إلى تعبئة كل الطاقات الوطنية، حكومةً ومؤسسات وهيئات ومجتمع مدني من أجل المساهمة بفعالية من أجل ضمان تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في كافة الحقوق والواجبات.”
ونوه رئيس النيابة العامة بالندوة التي تنظمها وزارة العدل بشراكة مع مجلس المستشارين، والتي تتناول موضوعاً “ذا راهنية كبرى إن على المستوى الوطني أو الدولي، وذلك بالنظر لما له من أهمية قصوى تسترعي اهتمامنا جميعاً وطنياً ودولياً، مؤسسات ومجتمع مدني من أجل تعزيز حقوق المرأة وجعلها فاعلة ومساهمة أساسية في التغيير والتطوير الذي يعرفه المجتمع على مختلف المستويات.”
في هذا السياق، يضيف الذاكي، “ينبغي التذكير بالطفرة الحقوقية الهامة التي حققها دستور 2011 من خلال تأكيده على التزام المغرب بسمو الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها بلادنا وكذا من خلال دسترة العديد من الحقوق ذات الصلة بمركز المرأة، لا سيما الحق في المساواة بين الجنسين الذي أقره الفصل 19 منه، وإحداث عدد من هيئات الحكامة التي تهتم بقضايا المرأة كهيئة المناصفة ومنع كل أشكال التمييز ، حيث ساهم الدستور الجديد للمملكة في تغيير المقاربة التي كان ينظر من خلالها لقضايا المرأة من مجرد السعي إلى حماية فئة هشة في المجتمع إلى السعي إلى المناصفة والمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، ولعب دورها الريادي في شتى مجالات التنمية.”
إضافة إلى هذه الجهود، يستطرد الداكي، هناك أيضا مصادقة المملكة المغربية على العديد من المواثيق الدولية ذات الصلة بالموضوع، من بينها اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة وغيرها من الاتفاقيات، علاوة على ملاءمة القانون الوطني مع مقتضياتها.
وأشار إلى أنه في إطار تفعيل دورها الدستوري والقانوني في حماية الحقوق والحريات انطلاقاً من الأدوار المنوطة بها في تتبع تنفيذ السياسة الجنائية للمملكة على مختلف المستويات والتي تعتبر مكافحة العنف ضد النساء والسهر على تفعيل حمايتها إحدى أهم أولوياتها، دأبت رئاسة النيابة العامة على تكثيف جهدها من أجل تسهيل ولوج النساء ضحايا العنف للعدالة وذلك انسجاماً مع المعايير الدولية ذات الصلة والمقتضيات القانونية الوطنية.”
في هذا السياق، أكد الداكي على “مبادرة إصدار عدة دوريات في هذا الشأن، كما عملت منذ إنشائها إلى جانب باقي الشركاء والمتدخلين على تكريس حماية قضائية ناجعة وفعالة للمرأة، وتسهيل ولوجها لهذه الحماية عبر جملة من الآليات من بينها تعزيز دور خلايا التكفل بالنساء لدى النيابات العامة بالمحاكم سواء محليا أو جهويا بالنظر لدورها في تأطير وضمان ولوجهن لهذه الحماية وذلك إعمالا وتنزيلا للمقتضيات المنصوص عليها في أحكام القانون رقم 13-103 وتاريخ 22/02/2018 المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء.”
وضمن نفس الإطار، “انخرطت رئاسة النيابة العامة كشريك أساسي في مجموعة من المبادرات الرامية إلى تعزيز الحماية القانونية للمرأة في مقدمتها منصة “كلنا معك” التي أحدثت بناء على الأمر السديد لصاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للامريم رئيسة الاتحاد الوطني لنساء المغرب من أجل تلقي شكايات النساء ضحايا العنف على الخط الهاتفي للمنصة وعلى التطبيقية الالكترونية المعدة لهذا الغرض.”
ولقد انطلق العمل بهذه المنصة منذ يناير 2020 والتي شهدت تفاعلا متميزا من قبل النيابة العامة ومن قبل مصالح الشرطة القضائية والدرك الملكي التي تعمل تحت إشرافها، علما أن هذه المنصة تتلقى الشكايات طيلة 24 ساعة على مدار أيام الأسبوع.
وأضاف: ” في هذا الإطار ما فتئت صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للامريم تتابع عن كثب كل المبادرات التي من شأنها إشاعة ثقافة اللاعنف لفائدة المرأة والدعوة للقضاء على أسبابه وذلك تنزيلا للرؤية السديدة والتوجيهات الملكية السامية في هذا المجال، وفي هذا السياق جعلت سموها من الاحتفال باليوم العالمي للمرأة مناسبة سنوية للوقوف على المجهودات التي تم تحقيقها ، حيث أطلقت سموها في 8 مارس 2020 إعلان مراكش للقضاء على العنف ضد المرأة، والذي يستهدف تحقيق التقائية فعلية لمختلف التدخلات القطاعية للتكفل بالنساء ضحايا العنف، وكذا لكافة المبادرات الرامية إلى الوقاية من العنف ضد المرأة.”
ولهذه الغاية، يضيف الذاكي، “تضمن إعلان مراكش التزامات على الموقعين عليه من قطاعات حكومية متعددة ومؤسسات وطنية كان من ضمنها إعداد بروتوكول ترابي على المستوى الجهوي والمحلي لتعزيز التكفل بالنساء ضحايا العنف، والذي أسند تنسيقه لرئاسة النيابة العامة انسجاما مع الصلاحيات القانونية الملقاة على عاتق النيابات العامة بمقتضى القانون 13-103 المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء. حيث تم إطلاقه بجهة طنجة تطوان الحسيمة في تجربة نموذجية أولى قبل تعميمه على كافة المحاكم بجهات المملكة، وفي هذا الإطار عملت رئاسة النيابة العامة على حث السادة قضاة النيابة العامة على تفعيل مقتضياته، وتسخير كل الإمكانيات المتاحة لتحقيق أهدافه بتنسيق مع كافة المتدخلين في الموضوع من مؤسسات وقطاعات حكومية وغير حكومية، بكل ما يلزم من حزم وجدية.”
وأكد على أن “الانتصار لحقوق المرأة والاستماتة في الدفاع عن كل هذه الحقوق يعتبر أحد الرهانات الأساسية لمغرب الغد”، إذ لا يمكن للمجتمع أن يتطور دون تحقيق مناصفة كاملة بين الرجل والمرأة، ولهذا أعتقد أن سياق التحولات التي تعرفها بلادنا في هذه المرحلة والتي تتميز بالتطلع إلى تحقيق نموذج تنموي جديد يتطلب أن تكون المرأة فاعلة ومساهمة أساسية في تحقيق التطور الذي يمكن أن يعرفه المجتمع في كافة المستويات، وأعتقد أن الظرفية الحالية التي تشهدها بلادنا والتي تعرف إصلاحات هيكلية كان لها وقع على المناخ الحقوقي بصفة عامة وعلى حقوق المرأة بصفة خاصة، حيث أضحت تتبوأ مناصب سامية في مختلف المستويات كما اقتحمت مجالات للعمل كان إلى وقت قريب حكرا على الرجل، كما استطاعت بعضهن ولوج عالم المقاولات على المستوى الدولي بفضل الكفاءات التي يتوفرن عليها، وهي كلها مؤشرات تدل على أن بلادنا حققت مكتسبات هامة كرست من خلالها حضورا وازنا للمرأة في تنمية المجتمع. وفي هذا الإطار استطاعت المرأة كذلك أن تثبت جدارتها في مجال العدالة وبالإضافة إلى عملها إلى جانب زميلها الرجل في المحاكم، تمكنت العديد منهن تبوء مناصب المسؤولية القضائية والإدارية على عدة مستويات سواء بالمحاكم الابتدائية أو محاكم الاستئناف أو على مستوى الإدارة القضائية، وفي هذا السياق سيعمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة على مواصلة جهودهما من أجل تكريس حضور وازن ومهم للمرأة في مجال العدالة علاوة على تفعيل كل مجالات السياسة الجنائية المرتبطة بتعزيز دورها وحمايتها.