لا يخفى على أحد الوضعية الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المواطن المغربي اليوم، ففي سياق يتسم بالارتفاعات الصاروخية بل الفاحشة للأسعار، وحالة الجفاف التي عمرت طويلا، و الارتفاعات المتكررة لأثمنة المحروقات، يستمر المواطن البسيط في أداء الضريبة عى الاستهلاك التي تقدر بـ20 في المائة، خاصة على ما يستهلك من مواد أساسية تعد العمود الفقري لاستهلاكه اليومي البسيط.
المضحك والمبكي في نفس الآن، أن المواطن المغربي، خاصة فئة الموظفين والأجراء، لا يؤدي الضريبة على ما يستهلكه فقط، بل يترك مجبرا قسطا مهما من أجرته بمجرد أن تتجاوز 3000 درهما، ولو بدرهم واحد، تقدر بـ10 في المائة وترتفع مع ارتفاع الأجر لتصل حتى 38 في المائة، مع بداية كل شهر، لصندوق الدولة كضريبة على الدخل، وما تبقى له من فتات في أجرته يصرفه على حاجياته الأسرية اليومية يذهب منه أيضا جزء مهم أيضا إلى صندوق الدولة كضريبة على الاستهلاك (الضريبة على استعمال الطريق السيار، الضريبة على المواد الغذائية، الضريبة على الملابس الجديدة، الضريبة على الأدوية، الضريبة على استهلاك الماء والكهرباء، الضريبة على استهلاك البن والمأكولات بالمطاعم…إلخ)، هذا إضافة إلى الضرائب السنوية التي يؤديها عن النظافة والسكن والسيارة….
الغريب أن قانون المالية الحديث، سيضيف ضرائب جديدة على كاهل المواطن، نذكر منها على سبيل المثال سن ضرائب جديدة على مهنة المحاماة والمهن شبه الطبية وغيرها من المهن التي عرفت تعديلات ضريبية جديدة في سياق يتسم بوضع خاص، والتي ستمس المواطن بدرجة أولى، باعتبار أنه (المواطن) من سيكون ملزما بأداء التسبيقات التي جاء بها قانون المالية، كما أن مختلف الضرائب التي سيتم فرضها ستؤثر عليه بشكل أكبر وأكثر من المهنيين الذين فرضت عليهم، باعتبار أنه هو الذي سيؤديها في الأخير بشكل أو بآخر.
لذا، فإن المتضرر بدرجة أولى وبشكل مباشر من كل القرارات والإجراءات غير الاجتماعية سواء التي سبق وتم سنها خلال الأشهر الأخير، أو يتم العمل على إقرارها مستقبلا، هم أولئك الذين يدبرون حياتهم بناء على أجر قار يحصلون عليه آخر الشهر، مهما كان مستواهم الاجتماعي وقدر أجرهم خاصة في سياق التضخم والغلاء المعيشي لأبسط السلع والخدمات.
لا شك أن الفئات المهنية الأخرى (تجار، مهن حرة، فلاحون..) هي الأخرى متضررة، إلا أن آثار تضررها تعود بشكل أكبر على الأجراء والموظفين، إذ كلما واجهت هذه الفئة زيادة معينة (ضرائب، تكلفة الإنتاج، وحتى ارتفاع تكلفة حاجياتها اليومية…)، تستخلصها من المواطن البسيط من خلال الزيادة في مقابل كل خدمة أو منتج معين، فيما تبقى أجر الأجراء والموظفين ثابتة، وهذا ما نعيشه منذ أشهر عدة، فمثلا ارتفاع أسعار النقل بمبرر ارتفاع أثمنة المحروقات الزبون المواطن هو من يؤدي ثمن الزيادة، أما هامش الربح فيبقى مستقرا إن لم نقل أنه يرتفع في أغلب الحالات بسبب الجشع، حيث يتم البحث عن أصغر فرصة للرفع من قيمة المنتج أو الخدمة، وهو ما تمت ملاحظته بشأن الأسعار غير المنطقية وغير المبررة لأغلب المواد الغذائية وأيضا الخدمات (التعليم الخصوصي مثلا). وقد ساهمت هذه الإجراءات في تراجع قيمة الأجرة التي يحصل عليها الأجير أو الموظف، حيث إنها لم تعد كافية حتى لتغطية حاجياته الضرورية والأساسية، خاصة في ظل الضرائب المتعددة والمتتالية، إضافة لعدم وجود نية حقيقية للزيادة في الأجور والنهوض بأوضاع الأجراء والموظفين بمختلف مستوياتهم.
لقد صار من غير المعقول، أن تدفع الطبقة المتوسطة الضرائب من المنبع (قبل أن تصل إلى الحسابات البنكية الخاصة بأصحابها)، إذ لا تملك هذه الفئة أية طريقة للتهرب أو التملص منها كما تفعل عدد من الشركات الكبرى، كأن هذا الموظف أو الأجير ليس لديه مصاريف أو سيارة ومنزل يستلزمان الإصلاح، فإذا كانت هناك عدالة ضريبية فينبغي أن يعامل مثل الشركات، أن يحصل على راتبه كاملا ويقوم بتصفية المصاريف والالتزامات الأسرية، وما تبقى يدفع مقابله ضريبة، لذا نقول إن هناك حيف ينضاف إلى غلاء الأسعار، وبهذه الإجراءات سيتم إنهاك هذه الطبقة (المتوسطة) وتفقيرها وهو ما سيؤدي إلى زعزعة السلم الاجتماعي.
قد نتساءل، لماذا لا يتم اعتماد ضريبة واحدة موحدة ؟ ثم أليس من الأجدر على الأقل خلال هذه الأزمة السوسيو-اقتصادية تخفيض الضرائب على الدخل وإلغاء الضريبة على السلع الاستهلاكية الأساسية والمحروقات -أو تخفيضها على الأقل- لما سيكون له من أثر إيجابي كبير على المواطن ؟ أم أن شعارات العدالة الضريبية التي تم رفعها منذ سنوات، وتم صرف ملايين الدراهم على مناظرات لأجل تحقيقها مجرد محاولات لتلميع الصور وإظهار نيات مبطنة للإصلاح ؟ هل تخشى الحكومة مواجهة الشركات الكبرى على حساب الاستقواء على المواطن؟